تواجه المؤسسات الفرص والتحديات كافة، وذلك أثناء انتهاجها مبدأ الإصلاح الإداري، وقد اختلف الباحثون حول المعوقات التي تعرقل سبل الإصلاح والتطوير, فبينما يرى البعض في مركزية الإدارة عائقا، يذهب فريق آخر إلى الخلل في التصميم الاستراتيجي، الأمر الذي دفع الكاتبة «إيمي إيمودسون» في مقالتها بمجلة «هارفارد بيزنس ريفيو» إلى الوصول إلى نتيجة وهي: أن التصميم الناجح للمؤسسات هو ذلك الذي يجبر المؤسسة على أن تتعلم من أخطائها بشكل دوري ومستمر.

Ad

وفي ذلك النهج والسياق، ومن وحي التاريخ أخي القارئ، اخترت أن «أستكشف» مجال تطبيق الإصلاح الإداري في «العصرالحديث»، أي في الفترة ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر, أما المكان ففي الولايات العربية التي خضعت آنذاك لحكم الدولة العثمانية, والتي كانت آنذاك في أوج مواجهتها للتحديات، والتي دفعتها للقيام بسياسة توسعية اضطرت بعدها لإعادة رسم استراتيجيتها وتحويل مسارها.

فانتقلت مراكز الثقل في توسعة الدولة العثمانية من الغرب إلى الشرق، وتحولت الاستراتيجية من هجومية إلى دفاعية، وأخذت الدولة في البحث عن مجالات جديدة للاقتراب من الرواج التجاري الأوروبي، الأمر الذي انعكس على بعض الولاة وانتهاجهم مبادئ الإصلاح والتكيف مع الظروف، خصوصا بعد التفات الدولة العثمانية إلى المحور العربي رغبة في التجانس الثفافي، واستنادا إلى تطابق العادات والتقاليد، وتمهيدا لفرض النمط السياسي للنظام العثماني آنذاك.

ولو عدنا إلى الفترة ما بين 1803– 1848، وقرأنا محاولات الوالي محمد علي في مصر لتطبيق سبل التحديث والتطوير قراءة جديدة من منظور التنظيم الإداري، لوجدنا أنه، وبهدف الاستقلال الإداري أو حتى السياسي كما يعتقد البعض، أخذ في تحديد الفرص والتحديات، وأدرك طبيعة المستجدات، وسعى إلى التعامل معها، وكانت التحديات آنذاك هي كيفية التعامل مع الطموح الأوروبي في المنطقة، الأمر الذي دفع الوالي للاستفادة من الفرص الاقتصادية واستغلال الجاذبية التجارية للشمال الإفريقي.

فانتهج ذلك الوالي أسلوب الانفتاح وتحرير الاقتصاد، ورسم خطط مرحلية تناولت مراحل متعددة: أولاها التحديث في نظام الري وتطوير الزراعة لاجتذاب السوق الأوروبية نحو المحاصيل الشرقية، وثانيتها تطوير الإدارة الحكومية والنظام الأمني طمعا في الاستقلال بنظامين سياسي وإداري فريدين من نوعهما، وثالثتها الحرص على أن تكون مصر هي أولوية الخطة وتعزيز أهميتها الاستراتيجية، فهل نجحت جهود محمد علي في الإصلاح؟

البعض يعتقد أنه نجح، ويعزو ذلك النجاح إلى تطبيق التحديث الصناعي والزراعي وإنتاج سلع ذات أهمية استراتيجية، أي تطبيق الإصلاح الاقتصادي، أما البعض الآخر فيصف تلك الفترة بالفشل، وتعثر جهود الإصلاح لعدم ملاءمة الظروف والثقافة لتطبيق التغيير نظرا لارتفاع معدل الأمية إلى 95%، وبالتالي ابتعاد عنصر الطاقة البشرية عن الإصلاح.

خلاصة الأمر، هناك قراءات متعددة للإصلاح الإداري، ولا شك أنه يتطلب خطوات أساسية أبرزها التعلم من الأخطاء على مدى التاريخ، بالإضافة إلى ضرورة تهيئة البيئة المناسبة لتنفيذ المشاريع الإصلاحية، وستبقى القراءات مختلفة، فما قرأه البعض من تطوير وإصلاح قرأه الآخرون تخلفا وعودة إلى الخلف، وتبقى العبرة في المرونة في استيعاب التغيير والتعلم من الأخطاء.