سمو الرئيس... وصناعة الخصوم
موقفي من التظاهرات بينته في مقال قريب سابق، إذ قلت إني ضد النزول إلى الشارع بهذه الطريقة، لا لكوني راضياً عن أداء الحكومة وتصرفات رئيسها، فهذه لا يمكن أن يرضى عنها منصف أخيراً، إنما جاء رفضي المشاركة في التظاهرات لعدم وضوح مطالبها ولا وجود الاتفاق عليها، ولعدم موافقتي على أسلوب إدارة هذه التظاهرات، وكذلك، بل قبل ذلك، لرفضي قيام بعض النواب باختطافها، وامتطاء ظهرها، وتجييرها لمصلحة أجنداتهم السياسية ومكاسبهم الانتخابية.لكن، والحال بالنسبة إلي ما ذكرت، فلا يمكن أن أتهور منطقاً، فأحكم بتهميش هذه التظاهرات، فأقلل من شأنها أو من عمق أثرها، لأني أدرك تماماً أنها تحوي نماذج من شرائح المجتمع الكويتي وتوجهاته المختلفة، وأنها في الحقيقة ليست حكراً على فئة دون غيرها، وأن الأغلبية ممن شاركوا فيها ليسوا أطرافاً في الصراع السياسي المباشر، ولا جزءاً من لعبة الأجندات السياسية التي تحرك بعض النواب، إنما خرجوا للتعبير حقيقة عن رفضهم لهذا الواقع السياسي المتخاذل، وليأسهم وإحباطهم من التشكيل الحكومي الجديد الذي جاء بعد طول انتظار ليقول إنه لا فائدة ترجى!
كما أني أدرك أن العدد المجرد لمن خرجوا في هذه التظاهرات، لا يعكس حقيقة حجم التذمر والرفض في المجتمع الكويتي، فما نلمسه في أحاديث الناس وحواراتهم في مجالسهم الخاصة، يدل على أن الدائرة أوسع بكثير مما تبدو في تظاهرات يوم الجمعة، إنما هذا المشهد ما هو إلا قمة جبل جليد.من يحكم على المشهد بالاستناد المجرد إلى ما يراه من أعداد الناس في التظاهرات، يتجاهل ويتغافل عن طبيعة الشعب الكويتي غير الميال في العموم للتعبير عن رأيه بهذه الطريقة أساساً، لكن هذا لا يعني عدم دعمه لمحور الرفض وعدم تأييده للمواجهة مع الحكومة، وإن بأشكال أخرى.لهذا، فتصريحات سمو رئيس الحكومة، التي جاءت في اللقاء الذي أجرته معه صحيفة «السياسة» أخيراً، لتهمش هذه التظاهرات وتقلل من قيمتها، لم تكن موفقة بتاتاً، بل ستزيد في رأيي من شحن الخصوم، وستزيد من تجميعهم والتأليف بينهم وربما صهرهم في بوتقة واحدة، وكان الأجدر بمن صاغ هذه التصريحات، أن يكون أكثر حكمة وعمقا في النظر إلى واقع الحال، وأن يسارع في معالجة أخطاء الجانب الحكومي، لا التعالي عليها، والمباشرة بقصف الطرف الآخر.وعليه، والحديث أوجهه الآن إلى القائمين على تحريك هذه التظاهرات والحشد لها، والذين هم من الشباب في الأغلب، لابد من العمل، وقبل التظاهرة القادمة، على الخروج بقائمة مطالبات واضحة موضوعية موحدة، ينضوي الجميع تحت لوائها في التظاهرات، وهكذا لن يسمح للمندسين بالخروج عن دائرتها وتشويهها بغير الموضوعي ولا المنطقي من الشعارات، وكذلك عدم السماح لأحد باستدراجهم للوقوع في فخ العناد والإصرار على مكان بعينه، فليست هذه هي المعركة الحقيقية، وساحة الإرادة متاحة، ولطالما احتضنت الكثير من التظاهرات والتجمعات. ولن أنسى أن أحذرهم من السماح لأحد أن يركب موجة التظاهرات لمصلحة مكاسبه الفردية، فحكاية أن النواب يشاركون اليوم بكونهم مجرد مواطنين، هي حكاية ساذجة غبية حقاً، وإن كان يراد هذا حقاً، وهو ما لا أستسيغه شخصياً فقد انتخبناهم نواباً لا ليتخلوا عن هذا الرداء متى ما أرادوا، لكن أقول إن كان يراد هذا حقاً، فلا يجب أن يسمح لهم بالتكسب إعلامياً من خلال تقدم الصفوف ولا أن تعطى لهم الميكروفونات ليخطبوا في الجماهير، بل يجب أن يكونوا كسائر الناس المحتشدة بلا تمييز ولا تفضيل، لأنهم من أرادوا أن يكونوا كذلك.***قيام الجميع، حتى الحكومة ممثلة برئيسها، بتسمية الساحة المقابلة لمجلس الأمة بساحة الإرادة، وهو الاسم الذي أتى من الناس أنفسهم في مواجهاتهم مع الحكومة، من أيام حملة «نبيها خمس»، فيه ملفت بديع. نعم، إنها الإرادة، إرادة الناس أنفسهم، والأمة مصدر السلطات جميعا، فلننتبه ونتأمل! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة