حذرنا مراراً وتكراراً من أجواء الاحتقان والاصطفاف بكل أنواعه خلال السنوات القليلة الماضية, وبأن هناك تغذية وتعبئة مستمرة بعضها عشوائي وبعضها منظم للنفخ في روح هذا الاحتقان, إضافة إلى ردود الأفعال التي تقابل هذا التصعيد بتصعيد مشابه عند الأطراف الأخرى.

Ad

والخطورة الكبيرة في مثل هذا المسار تكمن في سرعة وتيرة هكذا تصعيد واستغلال أي مادة، سياسية كانت أم فكرية أم دينية، للدفع بها نحو السطح والرهان على العواطف والمشاعر الحساسة خصوصاً عند عوام الناس وبسطائهم لإضفاء الشرعية والواقعية عليها, وبالتالي لا يمكن التكهن بمستقبل هذه الاصطفافات والانقسامات إلا بنظرة سوداوية ومتشائمة.

والبدعة الجديدة التي بدأت تأخذ هذا المنحى وتستغل كسلاح سياسي في المعارك الطائفية والطبقية هي الدعوة إلى سحب الجنسية الكويتية, وحتى لا يقال إن الغرض من هذا التحذير هو محاولة لخلط الأوراق في الفتنة الأخيرة على خلفية ما أثير حول ياسر الحبيب, أقول إنني كتبت مقالات عدة في هذا الشأن عندما أثيرت قضية ما يسمى بالمزدوجين ودعوات سحب الجنسية من بعض شرائح المجتمع، وحذرت وقتها من إقحام موضوع الجنسية في الانقسام الطبقي الحاد بقصد التخوين أو التشكيك في الولاء أو حتى الجرأة في طرح إلغاء الوجود.

فالجنسية الكويتية قضية قانونية صرفة تتعلق بسيادة الدولة, كما أن حالات سحب الجنسية ينظمها القانون نفسه وتكاد تنحصر في دقة وصحة المعلومات التي حصل بموجبها المواطن على الجنسية, بل لا يمكن للحكومة نفسها استغلال هذا الأمر لأغراض سياسية.

وما شهدته البلاد خلال الأيام الماضية من غضب عارم لحرمة وعرض رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، لاشك أنه يوازي حجم الإساءة المخزية لمن وقف خلف هذه الفتنة النتنة التي يجب أن نواجهها من خلال القانون والعدالة والشريعة, ولكن إقحام الجنسية في أتون هذه الفتنة لا يولد إلا المزيد من الفتن والمخاطر السياسية.

وكعادتها، فإن الحكومة الضعيفة والمترددة وصاحبة الوجوه المتعددة بدلاً من غلق باب التداول في هذا الموضوع، بدأت تسرب الوعود الكلامية إما لدواعي الخوف وإما لتطييب الخواطر إيذاناً منها بأن يظل هذا الجدل على مائدة الاستهلاك السياسي!

وإذا كانت معارك الطائفية والقبلية والفئوية تبدو في البدايات، ونذير الشؤم قد ينبئ بمزيد من الزيت على النار, وحروب القنوات الفضائية والصحافة ومنتديات الإنترنت تبدو مقبلة بكثافة, وقد لا يلجمها حكمة العقلاء ولا وساطة المعتدلين, فعلى الأقل يجب أن نبعدها عن المزايدات القانونية وإضعاف سيادة الدولة والقانون, فكيف يتحمل بلد نسيجاً اجتماعياً ممزقاً وعواصف تهدد الاستقرار من خلال ضرب الوحدة الوطنية, وفي الوقت نفسه نزيد الطين بلّة بتطويع قوانينه لمآرب سياسية ونعرّض سيادته لمزيد من الهشاشة والضعف؟!

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة