ما أردت التوقف عنده، وهو أمر أثار استغرابي إلى حد القشعريرة، هو هذا «الفجور» المرعب عند الخصومة، وهو الذي تجلى ضد الشيخ الكلباني حين أطلق رأيه الأول بإباحة الغناء، وسرعان ما انقلب بمئة وثمانين درجة، بعدما قيل إنه تراجع عنه! حين ظهر الشيخ عادل الكلباني، الإمام والخطيب وقارئ القرآن الشهير، منذ مدة ليست بالبعيدة جداً، على أجهزة الإعلام المختلفة ليعلن رأياً شرعياً يبيح فيه الغناء، قامت الدنيا ولم تقعد أمامه، فناله من النقد والمعارضة، بل والتجريح والتوبيخ، ما ناله، حتى وصل الأمر بالبعض أن يعيِّره بسواد بشرته، وبأنه لم يكن ليستحق إمامة الحرم المكي لولا الهدف «السياسي»، وبأحد المشايخ المعروفين، أن يقول ما معناه إن من المفترض جلده أو قطع لسانه أو أن يذهب به إلى سوق الخضار للعمل، وكذلك بشيخ آخر أن يفتي بعدم جواز الصلاة خلفه!

Ad

بعدها بفترة، خرجت الأنباء، وهي أنباء كانت ضبابية على أي حال، بأن الشيخ الكلباني قد تراجع عن «فتواه» بإباحة الغناء بعدما قيل إنه جلس في نقاش مطول مع الشيخ سعد البريك والشيخ سعد الشثري، راجع من خلاله الأدلة التي استند إليها حين قال برأيه الأول!

بعد هذا «التراجع»، وهو الذي أوردت بعض الجهات بدورها أنه لم يكن تراجعاً كاملاً، بل جزئياً تناول بعض أجزاء المسألة لا كلها، كتب كثير ممن كتبوا في المرة الأولى ينتقدون ويعارضون، بل ويهاجمون ويجرحون الشيخ الكلباني، مقالات وتدوينات جديدة تحدثوا فيها عن خشوعه وتقواه وأنه إمام الحرم الخاشع الذي أبكى الآلاف من المصلين!

مقالتي هذه لا ترمي إلى الحديث عن حل الغناء أو حرمته بأي شكل من الأشكال، فأنا لست من أهل العلم الشرعي، وحتى لو كنت كذلك، فقد شاهدت بأم عيني كيف يتم «حرق» من يقترب من مثل هذه الموضوعات حياً، وما كنت لأفعلها معاذ الله. كما أني من المقتنعين بأن مسألة الاستماع إلى الغناء من عدمه، هي اليوم من الممارسات الشخصية، التي اتخذ أغلب الناس تجاهها مواقفهم، دون انتظار لفتوى من هنا أو هناك، سواء بالحل أو الحرمة، وأن إطلاق مثل هذه الفتاوى لن يغير في الواقع شيئاً من محصلة الأمر، خصوصاً حين يتم إطلاقها ومن ثم تداولها بهذه الطريقة الدرامية التي دارت في رحاها فتوى الشيخ الكلباني.

لكن ما أردت التوقف عنده، وهو أمر أثار استغرابي إلى حد القشعريرة، هو هذا «الفجور» المرعب عند الخصومة، وهو الذي تجلى ضد الشيخ الكلباني حين أطلق رأيه الأول، وسرعان ما انقلب مئة وثمانين درجة، بعدما قيل إنه تراجع عنه!

أستطيع أن أفهم معنى «الغضبة دفاعاً عن دين الله»، لكنني لا يمكن أن أقبل على الإطلاق أن تكون هذه الطريقة الحادة والخارجة عن المعقول هي طريقة «شرعية» مقبولة، لا للتعبير عن رفض الرأي الآخر، ولا حتى للتعبير عن الغضب دفاعاً عن الدين!

هذه الحادثة، المتطرفة جداً في تجلياتها والحادة الساخنة في تراشقاتها، بالرغم من أن أغلب أطرافها من المشايخ المعروفين والمقدرين جداً في الأوساط الدينية، ستجعلنا نوجد العذر، وبسخرية عفوية غير مصطنعة، لعوام الناس وهم يمارسون نفس هذا التطرف والإقصاء بعضهم تجاه بعض في خصوماتهم اليومية، خصوصاً في خصوماتهم الدينية والمذهبية والطائفية وما شابه!

الأمر جلل، ويكشف عن أزمة ثقافية كبرى ولا شك، وعلاجه لن يتاح بمقالة أو اثنتين ولا حتى أكثر بطبيعة الحال، ولكنها كانت محاولة لقرع الناقوس!