- 1 -

Ad

فاجأت، وأدهشت الثورات العربية المتتابعة المراقبين والمحللين والمؤرخين، وحتى الفلاسفة في الغرب والشرق، وقال الفلاسفة عنها، ومنهم الفيلسوف الفرنسي المعاصر إدغار مورانEdgar Morin‏، الذي ولد عام 1921، صاحب نظرية (إيكولوجيا Ecology الفعل)؛ أي «علم ثقافة الموطن»، وهو عالم البيولوجيا المعاصر، المتخصص بعلاقة نتائج علم البيولوجيا وانعكاساتها على تصور الإنسان لذاته، ومجتمعه، وموقعه، داخل هذا الكون، الذي كتب في صحيفة «اللوموند» (26/4/2011) يقول عن الثورات العربية المتتابعة، بما أطلق عليه «الربيع العربي»:

«أظهرت لنا الثورات العربية المتلاحقة بصورة ثابتة، أن الطموح الديمقراطي لم يكن حكراً على الغرب وحده، بل هو طموح كوني، تمَّ ثبوت صحته في الصين عام 1989، فالعرب هم مِثلنا- نحن الفرنسيين- ونحن مِثل العرب، مع أخذ كل الفروق التاريخية والثقافية بعين الاعتبار».

- 2 -

الكوارث التي يمكن أن تنتظر وتصيب الثورات العربية المتتابعة الآن، كثيرة ومختلفة، وهي كوارث مُنتظَرَة ومتوقعة، شأنها شأن الكوارث التي أصابت ثورات كثيرة في التاريخ، خصوصاً في التاريخ البشري الحديث، كالثورة في إسبانيا 1936، وكذلك في البرتغال، واليونان، في النصف الأول من القرن العشرين، وفي أوروبا الشرقية بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي 1989،

ويمكن أن نُجمل كوارث هذه الثورات في التالي، على الرغم من أنه- مع اختلاف الزمان، والمكان، والظروف، والأسباب الدافعة لنشوب الثورات، ووجود ثورة المعلومات، والاتصالات... إلخ- ليس من المنتظر حتماً وواجباً، أن تصيب الكوارث الثورات العربية التي أصابت الثورات في التاريخ الآن:

-1 بروز الخلافات بين أعضاء الحزب الواحد، وخروج بعض القيادات عن الخط السياسي المعلن لبعض الأحزاب، كما نرى في «جماعة الإخوان المسلمين» التي أعلنت في بداية ثورة 25 يناير عدم نيتها الترشُّح في انتخابات رئاسة الجمهورية، ولكنها التفَّت حول هذا الشعار، وهذا الموقف، بأن كلَّفت أحد قيادييها بالترشُّح، ثم أعلنت براءتها من هذا الترشُّح، وهو ذكاء سياسي خارق، اتسمت به أخيراً «جماعة الإخوان المسلمين» للوصول إلى السلطة بسلاسة ونجاح. فوجدنا أحد قياديي «الإخوان» (عبدالمنعم أبو الفتوح) يعلن ترشُّحه في هذه الانتخابات، وتضطر «جماعة الإخوان المسلمين» الى إصدار بيان تؤكد فيه سياستها في عدم الترشُّح في هذه الانتخابات، وأن ما قام به أبو الفتوح عبارة عن «تصرف شخصي» لا علاقة لـ»جماعة الإخوان المسلمين» به، وهي خطوة تشكك في مزاعمهم بعدم نيتهم خوض السباق الرئاسي هذا العام، وقال نجيب ساويرس أحد مؤسسي حزب «المصريون الأحرار» وثاني أغنى رجل في مصر: «لقد استبدلوا دكتاتورية مبارك بدكتاتورية الإخوان المسلمين. هذا هو الطريق الذي تسير فيه مصر الآن». («الشرق الأوسط»، 15/5/2011).

2- بروز بعض الفئات والطوائف للمطالبة بحقوق مدنية ودينية، لم تكن تجرؤ أن تطالب بها في العهد الماضي، وربما تلجأ الى العنف في بعض الأحيان.

3- بروز فئات تطالب بحقوق مالية (كزيادة الرواتب والدخل، في دولة فقيرة ذات إمكانات مالية محدودة)، والقيام بمظاهرات مستمرة من شأنها تعطيل، أو وقف عجلة الإنتاج القومي، وهو ما يحصل الآن في مصر، وقبلها في تونس، وتطالب هذه الفئات بتلبية هذه المطالب فوراً، وإلا ستستمر في التظاهر، والاعتصام، والامتناع عن العمل، وهنا تحدث كارثة كبرى، إذ يتوقف الإنتاج، وتعاني ميزانية الدولة العجز، الذي قد يؤدي في المستقبل إلى سقوط الدولة، وعدم استطاعتها دفع رواتب الموظفين المنتظمين، أو رواتب أفراد الجيش.

4- تخلّي جيران بلد الثورة وأشقائها وأصدقائها عن الثورة، وعن الثوار، وقد رأينا أن العرب كافة- ما عدا قطر- وقفوا متفرجين على الثورات العربية التي دارت، والتي تدور الآن في العالم العربي، بل إن بعضهم حاول بطريقة مباشرة أو غير مباشر إجهاض الثورة، وعدم تقديم أي عون إعلامي، أو سياسي، أو مالي لها، وفضلا عن ذلك يقال إن بعضهم هدد بقطع علاقاته مع دولة الثورة. كذلك كان موقف الدول الغربية، التي اتُهم بعضها أنه يكيل بمكيالين كما قال الفيلسوف الفرنسي موران، وهو على خطأ كبير في ذلك، فالسياسة يجب أن تكيل بمكيالين دائماً، وعندما تكيل السياسة بمكيال واحد، تصبح شيئاً غير السياسة، فالسياسة ليست ديناً ذا قواعد ثابتة ومحددة، فلا ثوابت فيها، ولا قيم أخلاقية لها. وقول موران إن الغرب يكيل بمكيالين، وعيبه على الغرب ذلك، هو وجهة نظر غير واقعية لفيلسوف حالم، يدافع عن المثاليات، التي لا ولم تعرفها السياسة على مر العصور، فسياسياً «أنت اليوم صديقي وغداً عدوي، إذا أصبحت مصلحتي السياسية تتنافى مع صداقتك». والسياسة مصالح قبل أن تكون تآخياً، أو وداً، والغرب في موقفه المتأرجح من الثورات العربية يقف موقفاً سياسياً محضاً، ويفتش دائماً عن مصالحه، ويحافظ عليها، لذا فهو غير ملوم في أنه دائماً يكيل بمكيالين، والحذق والذكاء والمهارة هو أن نقدم للغرب ما يجعله يملأ مكياله الأول لكي يقف الى جانبنا، حتى لا يستخدم مكياله الثاني ضدنا، فالغرب الآن يكيل للثورات العربية بمكيالين، لأسباب كثيرة منها:

- أن الغرب وقد فوجئ بهذه الثورات، ولم يكن على اعتقاد، أو علم بقوة وصلابة وإصرار الشارع العربي، على النحو الذي رآه في الشهور الأربعة الأخيرة، مازال يشك في نجاح مثل هذه الثورات، وقدرة الشعب العربي السياسية والثقافية على «العبور الثوري»، حتى نهاية الطريق، أو نهاية النفق.

- أن الغرب يتخوف من ضياع كثير من مصالحه في العهود السياسية الجديدة للدول الثائرة، وقد كشف لنا المحلل السياسي والاجتماعي الإسباني ميغيل مورا في بحثه «القذافي الطاغية الذي اشترى الغرب»، بياناً مفصلاً عن الاستثمارات القذافية الليبية في الدول الأوروبية، والتي تظهر مدى تغلغل الاستثمارات الليبية في الاقتصاد الغربي تغلغلاً كبيراً يؤثر تأثيراً مباشراً في علاقة ليبيا القذافي السياسية بدول الغرب بما فيها أميركا، التي سبق أن قال عنها محمد أبو جيلة المبارك، المدير المسؤول عن مجلس الإسكان والبنية التحتية: «إن الاستثمارات المقررة بنحو 62 مليار دينار ليبي (47 مليار دولار) المخصصة لمشاريع إعمارية لعام 2008، كانت قد مُنحت بالفعل، وبشكل رئيسي لشركات أجنبية ومنها شركات أميركية». وأضاف أنه «ينتظر أن ترتفع الاستثمارات إلى 100 مليار دينار في السنوات المقبلة». والغرب الآن، لا يضمن أن تستمر هذه الاستثمارات في عروق الاقتصاد الغربي، كما أنه لا يضمن- من ناحية أخرى- أن تزداد هذه الاستثمارات في أسواق الاقتصاد الغربي، فيما لو وصل إلى كرسي الحكم في ليبيا فريق آخر، يختلف عن فريق العقيد القذافي، الذي استطاع أن يشتري سكوت الغرب في كثير من الأحيان بمال النفط الليبي، ومنها عمليات الإرهاب التي نفذها النظام القذافي ضد شركات طيران الغرب، وغيرها، ودفع المليارات ثمناً لها.

وأخيراً، يكفي الثورات العربية الآن ما حققته من حراك شعبي حتى لو لم تحقق حتى الآن أهدافها الكبرى، التي تحتاج إلى وقت طويل، وجهد كثير.

* كاتب أردني

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة