كلمة•: عاصفة التعاون والوئام
هي فعلاً تاريخية زيارة الشيخ ناصر المحمد للعراق. فبعد عشرين عاماً من "عاصفة الصحراء" التي هبت لتحرير البلاد من براثن صدام، يؤكد سمو رئيس الوزراء أن العاصفة الحقيقية التي يجب أن تهبَّ على البلدين الجارين هي عاصفة الوئام والتعاون والاحترام.لقد تطلب الأمر عقدين لتتمكن الكويت على مستوى رئيس الوزراء من أداء زيارة رسمية تكرِّس طي الصفحة السوداء وبداية عهد جديد من العلاقات. لكن ذلك لم يكن ممكناً لولا أن العراق تغيَّر وأن التحولات التي حصلت فيه باتت تسمح بهذا النوع من الخطوات، الذي سيُترجَم في مارس المقبل بحضور سمو الأمير القمة العربية في بغداد.
أحسنَ سمو الرئيس بالمبادرة إلى الزيارة قبل حلول ذكرى "عاصفة الصحراء" العشرين، فالكويت التي لا يمكن أن تنسى التجربة الأليمة التي أرغمها على خوضها النظام العراقي السابق، تؤكد أن ما يجب أن يبقى من تلك المرحلة دروس للحاضر والمستقبل، وقناعات راسخة باحترام الحدود والحقوق، مثلما تؤكد أن المسؤولية تقتضي احتضان التغيير الإيجابي في العراق وحماية الوحدة الوطنية العراقية والتشجيع على تمتين الاتفاقات الداخلية حتى لا تبقى هشة تهدد المجتمع العراقي ونسيجه الاجتماعي وتنعكس على جيرانه.قلَبَ سمو الرئيس الصفحة وسمع تأكيدات بأن "الماضي قد مضى" وبأن العراق يحترم تعهداته، وهي مواقف عبر عنها عراق ما بعد صدام تكراراً، وكررها رئيس الوزراء العراقي قبل أسبوع لوفد جمعية الصحافيين الكويتيين بأوضح عبارات. لذلك لا بد من تشجيع الدبلوماسية الكويتية على المساعدة على إخراج العراق من الفصل السابع انسجاماً مع التطورات داخل العراق وفي علاقاته مع الكويت ومع المواقف التي أطلقها في بغداد وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح في هذا الاتجاه. كذلك لا بدَّ من الدعوة الى توسيع المصالح المشتركة. والفرصة متاحة لقيام مشاريع جبارة في أكثر من مجال خصوصاً في القطاع النفطي، علماً بأن ارتباط المصالح أحد الضمانات الأساسية لمنع الخلافات وردع الانزلاق نحو فراق. زيارة سمو الرئيس أبعد من اللقاءات الرسمية. فهي أيضاً فاتحة لفتح القلوب بين العراقيين والكويتيين، ورسالة إلى الشعبويين الصائدين في المياه العكرة للتوقف عن استغلال أحداث صغيرة تحدث بين الحين والآخر بين أي دولتين.لا شيء اسمه عفا الله عما سلف في زيارة سمو الرئيس، إنما تكريس لعلاقات واقعية وموثقة، وللاتفاقات المرعية بمواثيق الجامعة العربية والأمم المتحدة، وتأكيد أنها ستحكم عمل اللجان المكلفة الانتهاءَ من الملفات العالقة، وهي قليلة ويمكن معالجتها انطلاقاً من الرغبة العراقية الأكيدة في القطع مع الماضي المشؤوم، والإرادة الكويتية الصادقة في مد يد الأخوة والمحبة إلى الجار الأقرب والتاريخي.زيارة تاريخية نعم، بالتوقيت والمضمون وبالرؤية نحو مستقبل واعد.فشكراً سموَّ الرئيس.