تعذيب الخادمات هواية تقليدية! 


نشر في 23-11-2010
آخر تحديث 23-11-2010 | 00:01
 خلف الحربي على الرغم من إدانة الصحافة السعودية لحادثة تعذيب خادمة إندونيسية على يد مخدومتها في المدينة المنورة فإن بعض كتاب الرأي ركزوا في أثناء تعليقهم على عواصف الاحتجاج التي انطلقت في إندونيسيا، بأن مثل هذه الجريمة البشعة نادرة الحدوث، ولا تعبر عن واقع أغلب الأسر السعودية التي تتعامل مع الخادمات بإنسانية وتعتبر الواحدة منهن جزءا من الأسرة.

وهنا يبرز مأزقنا الثقافي الكبير في تفسير مصطلح التعامل الإنساني، فصحيح أن حالات التعذيب قليلة، ولكن التعامل الإنساني مسألة يمكننا أن نضع تحتها ألف خط وخط، أما حكاية أننا نعتبر الخادمات جزءا من الأسرة فهذا من مضحكات القول وتسالي أواخر الليل؛ لأن الأغلبية العظمى من العائلات السعودية «بل في كل دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية الأخرى» تستعبد الخادمات ليل نهار ويعتبرن ملك يمين، بل إن جميع مكاتب جلب العمالة المنزلية تمارس عمليات نخاسة علنية، بل مقننة حيث يمكن أن يبيع الكفيل الأول خادمته المنزلية إلى كفيل جديد لمجرد أنها لم تعجب أم العيال، ويحدث ذلك برعاية السلطات الرسمية وبمباركة الرأي العام وبموافقة ضمنية من النخب المثقفة بمختلف توجهاتها، وإن كان ثمة كلمات خجولة تصدر هنا وهناك من قبل جمعيات حقوق الإنسان المحلية فإنها مجرد كلمات بديهية لا تقدم ولا تؤخر شيئا في الموضوع.

نحن لا نريد أن نستوعب الحملات الدولية التي تحاول إفهامنا أن الخادمات بشر مثلنا لهن حقوق وعليهن واجبات، وأن العلاقة العملية بيننا وبينهن لا تمنحنا أي حق باستغلال فقرهن وضعفهن باستعبادهن طوال ساعات اليوم وهضم حقوقهن الوظيفية، بل إننا نمنح أنفسنا صلاحيات واسعة في تحديد مواعيد تسليمهن أجورهن ونتحكم بقرار عودتهن إلى بلادهن، ونشغلهن طباخات ومربيات وعتالات وفنيات ستلايت بالإضافة إلى أعمال النظافة والغسيل وكي الملابس التي لا تتوقف ليل نهار.

بصورة عامة نحن نستهجن ضربهن وتعذيبهن ونعتبر أن ذلك دليل كاف على إنسانيتنا! نعم... يكفي أننا لا نحرق أجسادهن بأسياخ النار كي ندلل على أحاسيسنا المرهفة! وننزعج بشدة من تقارير المنظمات الدولية التي تنتقد معاملتنا السيئة لهن، ونعتبر أن هذه التقارير محملة بالافتراءات، وتنطلق من أهداف خبيثة تضمر الشر لبلادنا وشعوبنا النقية... ونقول بكل شموخ لمنظمات حقوق الإنسان الدولية التي تنتقدنا: «عليكم أولا أن تحلوا مشكلة معسكر غوانتنامو ثم يمكنكم التحدث معنا بشأن الخادمات في بيوتنا!».

والأدهى والأمر أننا نوقع بكل سرور على كل الاتفاقيات الدولية التي تحارب الاتجار بالبشر، وتدعو لتعزيز حقوق الإنسان وتصادق عليها مؤسساتنا الشعبية، فنحن من ناحية المبدأ نؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، ولكننا لا نريد تطبيقها على أنفسنا! كما أننا ولأسباب سياسية واقتصادية بتنا مضطرين للانصياع لشروط منظمات المجتمع المدني بعد أن أصبح لها حضورها الواضح في كل الاتفاقيات الدولية، والطريف أننا نعتبر هذه الالتزامات الدولية الصريحة مجرد حبر على ورق كي (يمشي شغلنا)، ونرفض تخيل أن هذه المخالفات الواضحة للاتفاقيات التي وقعنا عليها في يوم من الأيام قد تتحول إلى عقوبات أو إجراءات دولية، نعتقد أن العالم وجد كي يقدر ظروفنا ويتفهم خصوصيتنا العائلية، نريد أن نحظى بكل تسهيلات العولمة دون أن ندفع ثمن الفاتورة، نعتقد أننا سنخسر الكثير حين ننحاز لإنسانيتنا! وهنا مكمن الكارثة الثقافية التي سوف ندفع ثمنها غاليا خلال سنوات قليلة جدا... وإن غدا لناظره قريب.

* كاتب سعودي

back to top