يبدو أن قرار التعديل الوزاري المرتقب قد تأجل إلى وقت غير معلوم؛ على خلفية قبول استقالة وزير الداخلية، وتعيين وزير جديد، على الرغم من جميع الاستحقاقات والتوقعات وحتى المعلومات المسربة حول تلك الخطوة السياسية المهمة.

ولذلك سيبقى السؤال الأهم يحوم حول العلاقة المحتدمة بين السلطتين، وهل ستؤول نحو الانفراج أم التصعيد من جديد مع مطلع شهر مارس القادم؛ في ظل بقاء التشكيلة الحكومية الحالية؟ والجواب عن ذلك مرهون في رأيي بنهج سمو رئيس مجلس الوزراء وتعاطيه مع المجلس، وليس بالضرورة القيام بتعديل وزاري شكلي كان أم فعلي ونوعي، إذ قد لا يهم من يتغير من الوزراء إذا بقيت السياسة الحكومية على حالها كما كانت طوال السنوات الخمس الماضية في إدارة الشأن العام في الدولة، ومنها العلاقة مع مجلس الأمة.

Ad

ولعل أقرب تحليل إلى استبعاد فكرة التعديل الوزاري في حال تقدم الحكومة باستقالة جماعية عامل المجازفة الكبيرة في تجدد المطالبة بعدم عودة الرئيس إلى هرم الحكومة الجديدة، خصوصاً بعد التصويت على عدم التعاون الأخير والرقم الصعب الذي حققه، ناهيك عن التسابق المبكر الذي تزامن مع إشاعات التعديل الحكومي على حجز مقاعد وزارية؛ وبالأرقام من قبل بعض الكتل البرلمانية الموالية من جهة، ومطالبات أصحاب المصالح والنفوذ بحصتهم من جهة ثانية، والفيتو النيابي على بعض الوزراء من جهة ثالثة، الأمر الذي من شأنه إرباك مثل هذه العملية وضياع بوصلة الحكومة الجديدة مرة أخرى.

ومن الواضح أن الحكومة لجأت إلى سيناريو آخر للتعامل مع الوضع القائم عبر أداتي العصا والجزرة كخيار سياسة حافة الهاوية، وهي محاولة البقاء حتى الرمق الأخير، وأولى الجزرات الحكومية كانت في تعيين الشيخ أحمد الحمود وزيراً للداخلية، الأمر الذي كان له صدى إيجابي واسع برلمانياً وشعبياً، خصوصاً بعد أن استهل الوزير أولى خطواته بزيارة ديوان النائب الوعلان، حيث كانت تقام ندوة سياسية وما تناقلته الأنباء حول إبعاد قوات الأمن عن محيط الديوانية، إضافة إلى تعهداته بالإصلاح في دهاليز وزارة الداخلية، وهي بلا شك محل تقدير وترقب.

أما الجزرة الثانية فتتمثل في التسريبات الحكومية بشأن وقف الملاحقات السياسية بحق محمد الجاسم وخالد الفضالة والإفراج عن عبيد الوسمي لترطيب الأجواء، بالتزامن مع توقيف بعض أدواتها عن إثارة الفتن والتحرش ضد أبناء القبائل إعلامياً.

وهناك أيضاً جزرة ثالثة وهي الموافقة على بعض المقترحات النيابية التي طالما اتهمتها الحكومة بالشعبوية والتكسب الانتخابي؛ مثل زيادة الرواتب والعلاوات الاجتماعية، ورفع سقف المعاش التقاعدي، وإنشاء شركات مساهمة للمواطنين فيها أسهم مجانية!

وفي مقابل هذه الجزرات تلوح الحكومة بعصا غليظة؛ وهي اللجوء إلى تفسير بعض مواد الدستور المتعلقة تحديداً باستجواب رئيس مجلس الوزراء، لعلها تغلق الباب أمام أي هزة سياسية عنيفة أخرى قد يتعرض لها سمو الرئيس مجدداً بعد التجربة الأخيرة التي كانت قاسية جداً بكل المقاييس.

ولكن مثل هذه الخطوة غير موفقة على الإطلاق، لا من حيث المبدأ ولا الموضوع ولا حتى التوقيت، فالحكومة متهمة أكثر من أي وقت مضى بسعيها من أجل تنقيح الدستور وتفريغه من محتواه، وبالذات فيما يتعلق بأدوات الرقابة البرلمانية، وبالتزامن مع الاستجوابات المقدمة لرئيس الحكومة، ولذلك فإن هذا الإجراء سيكون بمنزلة تصعيد سياسي كبير آخر، ومثل هذه العصا ستأكل كل الجزرات السالفة الذكر، وتعود على إثرها حليمة إلى عادتها القديمة، ويعود التأزيم إلى نقطة البداية!