حتى لو أن الذين تناوبوا على الحكم في السودان، خلال العقود الأربعة الأخيرة، قد ارتكبوا من الأخطاء السياسية ما أوصل بلادهم إلى هذا الذي وصلت إليه، فإن متابعة ما يجري في الجنوب السوداني يظهر بل يؤكد أن هناك مؤامرة دولية ولعبة أمم جديدة لتمزيق هذا البلد العربي وتوزيع أجزائه محاصصة على الدول المجاورة.

Ad

والمؤلم حقّاً أن مشكلة "الجنوب" كانت قد بدأت بتحريك من بعض العرب نكاية بالرئيس الأسبق محمد جعفر النميري، الذي كان قبل انثقاب الدفَّ وتفرق الخلاَّن رابع أربعة ثبت لاحقاً أن رؤوسهم قد التقت لكن قلوبهم بقيت متباعدة، مما جعلهم يتفرقون بسرعة أيدي سبأ، وأخذ كل واحد منهم يتآمر على الآخرين.

كان على هؤلاء العرب، الذين دعموا جون غرنغ نكاية بالرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري والذين خلفوه في هذا الموقع الذي لا يحسدون عليه، أن يدركوا أن لعبتهم ستصبح لعبة دولية، وأن ما فعلوه في لحظة نزق وتباغض سيستدرج دولاً هي كالضباع الجائعة الهائمة على وجوهها التي تستدرجها روائح الجيف عن بعد وإنْ كانت هناك مسافات بعيدة.

لقد بدأت لعبة جون غرنغ كنكاية بالنميري والذين تناوبوا بعده على كرسيَّ الحكم في الخرطوم، لكن هذه اللعبة ما لبثت أن أصبحت لعبة دولية انخرطت في إطارها دول كبرى بعد معرفة حجم وأهمية ما يختزن الجنوب السوداني في بطنه وفوق أرضه من خيرات ومن مصادر طبيعية، أهمها النفط والمياه وليس أقلها الصمغ العربي والغابات والمراعي الشاسعة والموقع الاستراتيجي الذي يربط شرقي إفريقيا بوسطها وبالدول التي تشكل ممراً لأنابيب البترول المتجهة إلى شواطئ الأطلسي الشرقية.

لا يهم الولايات المتحدة والرئيس باراك أوباما لا سيلفا كير ولا شعب الجنوب السوداني حتى يكون هناك كل هذا الاستنفار الأميركي وكل هذا الإصرار على انفصال الجنوب مسبقاً حتى قبل الاستفتاء المقرر بعد أكثر من شهرين بقليل. إن ما يهم هذه الدولة التي بدأت بالهيمنة على إرث الإستعمار القديم، أي فرنسا وبريطانيا العظمى، منذ أن اتخذ دوايت آيزنهاور ذلك الموقف "الشهم" الذي اتخذه إزاء حرب السويس في عام 1956، هو مصالحها الحيوية في إفريقيا، وهي مصالح كثيرة تنبع أهميتها من أنها تشكل أحد عوامل إفشال محاولات الدول التي تسعى لاستبدال هذا العالم الأحادي القطبية بعالم متعدد الأقطاب، ومن بينها روسيا والصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي والبرازيل.