الاغلبية الصامتة: نحن والعجم قصة لا تنتهي
لست مهتماً بتفاصيل الكراهية المتبادلة بين المذاهب، فهذه متاهة ستنتهي يوم الحساب، والقاضي فيها هو أعدل العادلين، فكم أضعنا من الوقت ونحن نكره أنفسنا، ونسلم رقابنا لمن لا يتقنون فن الحياة السعيدة، ولو عاشوا في كواكب خاصة ليس فيها ما هو مختلف عنهم حتى لو بشعرة واحدة!
ما يؤرقني هو منابع الكراهية التي تغذي صراعات الأجيال بلا توقف، فهي التي تفسر سرعة الاشتعال واستحضار الماضي كأنه وقع في الأمس كلما وقعت حادثة كبيرة أو صغيرة، هل تصدقون أن الكراهية بين العرب والعجم كراهية ذاتية متأصلة لا علاقة لها بالأديان أو المذاهب؟ لا يعرف متى بدأت ومن المؤكد لا يعرف متى ستنتهي.الغريب حسب قراءتي أن الإسلام «آخى» بين العرب وغيرهم من الأعراق مثل الأتراك والأكراد والبربر والشركس ما عدا الفرس الذين ظلت علاقتنا معهم دوماً متأزمة قبل الإسلام وبعده، ولمن لا يعرف فإن المذهب السنّي كان هو مذهب أغلبية سكان المناطق التي تعرف اليوم بإيران قبل وصول الصفويين إلى سدة الحكم قبل خمسة قرون؟ فما الذي قرّبنا من غيرهم وأبعدنا عنهم وهم الذين قدموا للإسلام والمسلمين من العلماء والمفكرين والشعراء والمعماريين ما تفخر به الحضارة الإسلامية إلى اليوم؟إن أحداث البحرين الدموية، وما تم الكشف عنه بخصوص الشبكة التجسسية الإيرانية في الكويت، وردود الأفعال الشعبية التي وفرتها وسائل الإعلام الجديدة، تؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً بشأن حالة التشاحن المتبادلة رغم غلافها المذهبي، وإلا ما علاقة طريقة مخارج الكلمات أو أسلوب العيش في الصحراء بالصراعات السياسية والمذهبية؟ إن موضوع الكراهية لديه شقيق لا ينفصل عنه هو الرغبة في التوسع، والذي كان سائداً حتى نهاية الحرب العالمية الثانية التي استقرت فيها حدود الدول، ولم يعد لأسلوب الغزو أو وجود الإمبراطوريات المترامية الأطراف أي مكان في تاريخنا الحديث.صحيح أن حدود العالم اليوم ليست هي نفس الحدود في منتصف أربعينيات القرن الماضي؛ بسبب تفكك بعض الدول كالاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا وأخيراً جنوب السودان، ولكن كل ذلك يتم بشكل محصور ومحدود في إطاره، ولا ينفجر على شكل حروب عالمية يموت فيها الملايين، وحتى عندما حاول المقبور صدام إعادة الزمن إلى الوراء غرق وأغرق العراق معه والمنطقة بأكملها في تداعيات مازالت مستمرة لأن النظام الدولي تغير برمته.بكلام أوضح لشرح الموضوعين «الشقيقين»؛ يتعين على رجال الدين المتعصبين والسياسيين الذين يوظفون الدين في مشاريعهم التوسعية إدراك أن زمن نقل الأديان والمذاهب إلى المناطق البعيدة عن مراكز قوتها بالحروب أو دعم الانقلابات قد انتهى، ولم يعد نافعا غير الانتشار السلمي الاختياري الذي خلق أكبر تجمعات بشرية للمسلمين في مناطق مثل إندونيسيا؛ بواسطة الدعاة المتطوعين والتجار الملتزمين، وفي زمننا الحالي يكفي أن نحسّن الإعلام، وقبل ذلك أن نكون خير أمة أخرجت للناس كي نحقق هدف التعريف بالإسلام بالوسائل العصرية.نفس الكلام ينطبق على المذاهب، إذ يجب على المتطرفين والمصفقين لهم استيعاب أن معجزة هداية السنّة لجميع الشيعة لن تتحقق بعد كل هذه القرون والعكس صحيح، الحقيقة الوحيدة في هذا الصراع المستدام هي أن الجميع سيبقى قرب الجميع لا يفصلنا غير البحر وربما شارع، وليس أمامنا غير التعايش وتبادل المنافع التجارية التي قد تجمعنا بعد أن فرقتنا السياسة وبددتنا الأوهام.الفقرة الأخيرة: لو كانوا سيحترقون لوحدهم لتركناهم ولكن المصيبة أنهم سيحرقوننا معهم.