كم من كربلاء وعاشوراء تمر علينا ونحن- معشر المسلمين والعرب- صامتون، وفي بعض الأحيان متواطئون وشامتون، خذ على سبيل المثال فلسطين وما يجري فيها من قتل ودمار وانتهاك للحرمات وسط صمت مليار مسلم و300 مليون عربي. قد لا يعرف أي منا من أين يبدأ، ومن أين ينتهي عند الحديث عن ثورة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) ضد الظلم والفساد، لكثرة المواعظ والدروس المستقاة من تلك الملحمة التاريخية، كيف لا وهو من قال عنه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «حسين مني وأنا من حسين... أحب الله من أحب حسينا»، ولكي نقف على حجم هذه المصيبة الخالدة في التاريخ إليكم قصة هذه المقولة الأخيرة.

Ad

 

فيذكر أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- كان خارجا من بيته قاصدا أحد الأماكن، وفي طريقه مر على بيت ابنته فاطمة- عليها السلاaم- فتوقف عندها، ووجد حفيده الحسين يلعب مع أحد الأطفال، فجرى خلفه حتى حضنه، واضعا يدي الحسين خلف رقبته وظهره وقال: «حسين مني وأنا من حسين».

 

قد نستغرب الآن كيف جرت تلك الجريمة على أيدي أناس يعرفون من هو الحسين ويعرفون قدره، وماذا قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- بحقه، لكن كل ذلك سيكون مفهوما عندما نعرف مجريات الأحداث التي سبقت يوم عاشوراء، فما كانت هذه الجريمة الكبرى بحق آل الرسول إلا حلقة من سلسلة الانحراف الذي شاب مسيرة الإسلام من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي يحاول البعض أن يصورها بصورة وردية على شاكلة «سيدنا فلان قتل سيدنا علان» و»سيدنا فلان حارب سيدنا علان»، فما كانت تلك الجريمة إلا أمرا طبيعيا لضياع القيم وعودة العصبيات العرقية والقبلية وسيطرتها على الإسلام في ذلك الوقت.

 

من السهل أن نستنكر الآن الجريمة التي حصلت في عاشوراء قبل 14 قرنا، ومن السهل أن نقول الآن «يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما»، لكن نسينا كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء. فكم من كربلاء وعاشوراء تمر علينا ونحن- معشر المسلمين والعرب- صامتون، وفي بعض الأحيان متواطئون وشامتون. خذ على سبيل المثال فلسطين وما يجري فيها من قتل ودمار وانتهاك للحرمات وسط صمت مليار مسلم و300 مليون عربي. ففيها اجتمعت ملة الظلم إسرائيل والغرب الداعم لها بالسلاح والسياسة والمال، وبالتواطؤ مع أهل الكوفة (أي الأنظمة العربية البائسة)، اجتمعوا جميعا على إبادة هذا الشعب الأعزل بلا ناصر ولا معين، ففيها يذبح آلاف الأطفال بالقنابل والرصاص بدم بارد مثلما ذبح عبدالله الرضيع بسهم حرملة قبل 14 قرنا. وفيها ترمل النساء وتؤسر في غياهب السجون دون ذنب كما سبيت نساء أهل البيت بعد عاشوراء.

 

والمؤلم أن البعض منا لا يكتفي بالصمت، بل تجده يشمت ويفرح لكل هذا ويقول: «زين إصير فيهم» متناسين أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى». فإذا كان بعضنا مازال يزن الأمور بهذا الميزان الجاهلي، وفي ظل هذه الثورة المعلوماتية التي فتحت آفاق العلم والحضارة والمعرفة، فكيف نستغرب قتل الحسين وصمت الناس على تلك الجريمة قبل 14 قرنا حين كانت العصبيات العرقية والجاهلية متفشية، وأبواب المعرفة والثقافة محدودة؟ لذلك، عاشوراء ليست مناسبة للحزن والبكاء على المأساة التي حلت بآل الرسول فحسب، بل هي مناسبة لاستلهام العبر والمواعظ وإصلاح الذات ولا عزاء لمن لا ينهل من هذه المدرسة العظيمة.