كم كنت أتمنى لو كانت محاولة القس الأميركي جونز إقامة حفلة حرق للقرآن الكريم مجرد حادثة معزولة لرجل أراد الشهرة والظهور الإعلامي، لكن إشارة بعض التقارير إلى أن شركة علاقات عامة كبرى كانت وراء احتضانه وإبراز محاولته البائسة إضافة إلى تزامن حملته مع حملة تحريض واسعة تستهدف المسلمين في أميركا تدل على أن ما في الفخ أكبر من العصفور، وأن هذا القس لم يكن سوى حلقة من سلسلة منظمة لنشر ثقافة الكراهية سواء في أميركا أو خارجها.

Ad

 

لكن ما هو ملفت للنظر هو تناقض الحكومات الغربية في التعامل مع هكذا أحداث، فالحكومة الأميركية اكتفت بالإدانة ولم تتحرك بقوة قانونها لمنع حركة تنشر الكراهية، لكن أجزم بأن ردة فعلها كانت ستكون مختلفة تماماً لو كان ذلك تجمعا للمسلمين يريد إقامة حفل لإنكار الهولوكوست.

 

والمستشارة الألمانية ميركل كرمت الرسام الدنماركي كيرت فيسترغارد المسيء لأعظم الخلق بحجة أن «أوروبا مكان تحترم فيه حرية التعبير وأن رسم مثل هذه الرسوم أمر مسموح به في القارة، وهذا لا يتناقض مع احترام حرية المعتقدات والأديان في أوروبا». كلام جميل جداً لكن ماذا فعلت أوروبا بالمفكر والمؤرخ الفرنسي روجيه غارودي؟ ألم يحاكم لإصداره كتابا بعنوان «الأساطير المؤسسة للسياسات الإسرائيلية» والتي فند فيها الاضطهاد المضخم المزعوم الذي استخدمه الصهاينة لتبرير جرائمهم المستمرة؟

 

وهل ميركل بحاجة إلى أن نذكرها أيضا بالمؤرخ البريطاني ديفيد إيرفنج الذي حكمت محكمة نمساوية عليه بالسجن ثلاث سنوات لإنكاره الهولوكوست؟ إذن أين أوروبا التي تحترم فيها حرية التعبير؟ والمشكلة أن ميركل تناقض نفسها بنفس التصريح عندما قالت إن «الحرية دائماً مرتبطة بالمسؤولية» وذلك عند استنكارها لمحاولة القس الأميركي حرق القرآن. فمادامت الحرية مرتبطة بالمسؤولية فكيف تكرم ميركل الرسام الدنماركي على رسوماته المسيئة والتي أججت العالم الإسلامي وفي نفس الوقت تستنكر محاولات القس الأميركي حرق القرآن؟

 

كل هذه المواقف المتناقضة دليل على أن حرية التعبير ما هي إلا شعار يستخدمه الغرب حينما يشاء ويدوسه حينما يشاء، أو بالأحرى حينما يشاء المال الصهيوني المؤثر في السياسيين هناك.