يبقى فراق الأحبة شوكة تقف في حلق الأيام،

Ad

يصعب على الزمن ابتلاعها، ويستحيل إخراجها،

وتظل أنفاس الوقت تنزف دمها كلما مرت – ولا بد لها أن تمر- بهذه الشوكة العالقة.

السكّّر لا يطيق مذاق الشوك، لذا لا يفكر في المرور عَبره..

النوارس كذلك، لا تفكّر بالمرور عبر الشوك، فهي تدرك أن لا بحر حوله سوى مياه العيون مالحة المذاق..!

الفراق شوكة تعرف أسهل الطُّرق وأقصرها المؤدية إلى:

مقتل الأماني

لذا تستقر في خاصرتها..!

وتعرف كيف تسدل ستار الليل على وجه صبحٍ رسمته بمهارة كفوف قلوبٍ بريشة الحلم!

وتعرف كيف تبتكِر مسامير لجناح!

وكيف تجدّل ضفائر الآهة وتغذيه بالحنين... ليطول!

الفراق شوكة...

حادة جداً..

كشفرة لا تصدأ..

تنغرس في رئة الشعور

شوكة...

لا تتهجأ نوافذ الفرح الخضراء... لأنها لا ترى!

إنها تتكئ على عصى عقل ظن أنه يعقل!

كثيراً ما كان ذاك العقل... آثماً!

الفراق شوكة...

تسرق فجأة... كحل عيون النور... ورموشه

وتنسج من خيوطها ظلمة

تُوقفُ نبض الفجر!

وقد يصادف أنها... تحيي النار في مواقد الوجع!

الفراق... لحظة... تلتهم ما تبقى من عُمر!

ما لم... نصادقه!

نشاركه فنجان قهوة في مساء بخّر ثوبه «بعود» الذكرى...

وطرّز أطراف «بشته» بخيوط من ذهب الحنين...

نصادقه...

ونرافقه الطريق عندما يمارس رياضة الجري صباحاً في شرايين أيامنا الباردة!

سيبقى الفراق شوكة ما لم نجعله صديقاً

تمتد معرفتنا به إلى زمن ينثر رذاذ الطباشير في الهواء...

وورقاً يمتنّ لخشب مقاعد الدراسة...

ورسائل زرقاء وأخرى وردية...

بعضها ما زال متدثراً بحضن مغلفات لم تُفتح!

لن نقلّم أظافر الفراق الحادة...

ما لم نجعله صديقاً...

يشاركنا اختيار أسماء أولادنا بعد إنجابهم...

واقتراح أسماء مدارسهم

والرضا حين يلعبون مع أبنائه في الحدائق العامة المختبئة في غابات العمر

ونتبادل الهدايا العائلية في المناسبات...

ونشعر بالرغبة في تبادل الأحاديث معه...

ولن نمانع أن يحمل بعض تلك الأحاديث شيئاً مما نحفظه في صندوق قديم وبعيد عن متناول أعين الغرباء!

وقد لا نمنع تسرّب شيء من أسرارنا الصغيرة... من خلال مواربة أبواب تلك الأحاديث أحياناً!

ومن خلال ثقوب في القلب لم يحسن الزمن رتقها!

أو نوافذ نسيان لم يحكم القلب غلقها!

أو من خلال إيمان بأن لا ضير من إشعال النار في أوردة العمر من أجل الدفء لا من أجل الاحتراق!

هذا البعض يرتكب غلطة فادحة تكلّف أحياناً الكثير من... الموت!

لذا لا بد من جعل الفراق صديقاً لنا حتى لا نخطئ اصطياد تلك اللحظة.

ولجعله كذلك... لا بد ألاّ نتجنّب الذكرى ولا أقصد السعيدة فقط

بل غالباً ما أعني تحديداً تلك التي أدمتنا حينها..

لا بد أن نأخذها بالحضن حين تصادفنا كعلامة لمصالحة الأمس

ولن تتم مصالحة الأمس إلا... بالتعايش معه!