كان يُرادُ من تزويد روسيا مفاعل بوشهر النووي بالوقود (أول منشأة نووية موّلدة للطاقة من المفترض أن تبدأ بتزويد الشبكة الوطنية بالكهرباء بحلول نهاية العام الحالي) اختبار جاهزية المجتمع الدولي للموافقة على حق إيران استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، رغم السلوك الاستفزازي الذي صدر عنها. ووفقاً لهذا المنطق، فقد تساهم هذه الخطوة في إقناع النظام الإيراني بالعودة إلى طاولة التفاوض بشأن مطالب الأمم المتحدة التي تقضي بأن تعلق إيران نشاطاتها النووية المثيرة للجدل.

Ad

أما إيران فتنظر إلى منشأة بوشهر نظرة مختلفة تماماً: فهو ثمرة تحديها للغرب. ويأتي هذا في وقت تشير فيه التقارير إلى أن إيران حصلت على مجموعة من الصواريخ الدفاعية أرض/جو من السوق السوداء، وطوّرت طائرات هجومية من دون طيار، وزودت سورية بأجهزة رادار متطورة، مع العلم أن سورية مجاورة لإسرائيل، بلد تحدث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن رغبته في إزالته من الخريطة الدولية. ولا شك في أن هذا الموقف سينعكس سلباً على التوقعات الأخيرات بشأن المحادثات التي تُلمح إيران باستئنافها في سبتمبر مع الدول الست (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، والصين) التي حاولت جاهدةً شد إيران إلى طاولة التفاوض.

أقامت روسيا مفاعل بوشهر الإيراني بعد أن انسحبت شركة "سيمنز" الألمانية من المشروع قبل أعوام. وستقوم روسيا بتزويده باليورانيوم (المخصب إلى ما دون الخمسة في المئة)، ثم ستتسلم قضبان الوقود المستهلك. تعتبر إيران مفاعل بوشهر مصدر فخر وطني كبير، فهو ثمرة ستة وثلاثين عاماً من العزم على إكمال المشروع مهما تكن النتائج. وبدلاً من أن تعلق عملية تخصيب اليورانيوم المثيرة للشبهات (من الممكن استخدام هذه المادة لتوليد الطاقة أو لصنع قنابل نووية في حال خُصِّبت إلى نسب أعلى)، تصر إيران على المضي قدماً بها بأقصى سرعة، رغم أنها لا تملك مفاعلات نووية تحتاج إلى هذه المادة. ويقول رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية إن إيران ستبدأ خلال أشهر قليلة العمل على بناء منشأة ثالثة للتخصيب لتُضاف إلى منشأة ناتانز، التي انتهى تشييدها وبدأ العمل فيها، وأخرى شارفت على الانتهاء تقع في مجمع عسكري بالقرب من مدينة قم. وأعرب المسؤول الإيراني أيضاً عن نية إيران بناء منشآت إضافية. تؤكد إيران أن برنامجها النووي سلمي، إلا أنها تراوغ الدول الست منذ عامين لتفادي محادثات جدية. كذلك ترفض الإجابة عن أسئلة المفتشين الدوليين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول وثائق وتجارب وأنشطة ومواد مزعومة تستوردها إيران تصب جميعها في خانة تصنيع أسلحة حربية.  في شهر يونيو الماضي، فرضت الأمم المتحدة جولة رابعة من العقوبات على إيران، مما أثار ردود الفعل التي اعتدنا سماعها من المسؤولين الإيرانيين. ولكن قد تكون الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وآسيا بمنع البنوك الأجنبية وشركات التأمين ومصانع الطاقة من التعامل مع إيران قد أثارت حقاً حنق المسؤولين الإيرانيين. وبينما ترفع كلفة العصيان النووي الإيراني، تأمل هذه الدول جميعها أن يعيد النظام النظر في فوائد سياسة المواجهة التي يتبعها. حاولت الدول الست أخيراً التفكير بجدية في خطوات تساعد على بناء الثقة بينها وبين النظام الإيراني، في حال نجحت العقوبات الأخيرة في جر إيران إلى محادثات أكثر جدوى. تصر إيران من جهتها على أن نشاطات تخصيب اليورانيوم غير قابلة للتفاوض لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل. ولربما تأمل، عبر رفضها التحاور مع الدول الست، إحياء المفاوضات بشأن اقتراح مستقل لروسيا وفرنسا والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية كي تساعدها في إيجاد بديل للوقود النووي المخصب بنسبة عشرين في المئة لمفاعل أبحاث في طهران يصنّع نظائر طبية. غير أن المفاعل لم يكن يعمل بقدرته الكاملة وقد لا تكون إعادة تزويده بالوقود ضرورة ملحة. في مطلق الأحوال، تستطيع إيران شراء النظائر الطبية التي تحتاج إليها من مزودين خاصين، كما تفعل معظم دول العالم.

لكن طلب إيران السماح لها بشراء الوقود، لا النظائر، شكل فرصةً إضافية  للغرب ليثبت أنه لا يحاول منع إيرن من ممارسة نشاطات نووية سلمية. قضى اقتراح طرحته الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي بنقل جزء مهم من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة ضئيلة إلى روسيا كي يُخصَّب إلى نسبة عشرين في المئة، ومن ثم إلى فرنسا كي تحوله إلى قضبان وقود للمفاعل. ولو نُفذ هذا الاقتراح، لكانت هذه المواد قد خرجت من البلاد لعام أو أكثر بغية إعداد الوقود، ما كان سيسمح بكسب الوقت لإجراء المحادثات وكان سيشكل، كما أملت الولايات المتحدة، سابقةً لعمليات معالجة اليورانيوم الإيراني في الخارج في المستقبل. وإذا نجحت هذه الطريقة في التحكم بمخزون إيران المحلي وإبقائه دون مستويات تصنيع قنبلة نووية، فسيخفف ذلك من الضغوط داخل إسرائيل ويبعد احتمال شن ضربة عسكرية على منشآت إيران النووية، مما يسمح أيضاً بكسب الوقت من أجل المحادثات.

في الختام، انسحبت إيران من الصفقة ومضت في تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة، مستفزةً بذلك المجتمع الدولي (وهذه خطوة كبيرة نحو الحصول على مواد عالية التخصيب لصنع قنبلة نووية). وكانت محاولات البرازيل وتركيا لإعادة إحياء هذه الصفقة ستمنح إيران يورانيوم مخصبا بنسبة عشرين في المئة، إلا أنها لم تكن لتحقق أي من المكاسب الأخرى. ولكن من شأن كل هذه الضجة التي تُثار حول وقود المفاعل أن تحول الانتباه عن رفض إيران كشف جميع أوراق ماضيها النووي. ومن خلال بوشهر نرى أن إيران تلعب لعبة طويلة.