انكب المراقبون لتطورات الجولة الراهنة من التصعيد السياسي والإعلامي في لبنان على دراسة ما صدر عن قاضي الأمور التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرانسين في خصوص طلب المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء المتقاعد جميل السيد تزويده بالوثائق والملفات والشهادات التي تم الاستناد إليها لتوقيفه بتهمة التورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، بالنظر لما يمكن أن يتركه القرار الصادر عن فرانسين من انعكاسات على الساحة اللبنانية، ومن تأثيرات على مسار المواجهة بين حزب الله وحلفائه من جهة، وقوى 14 آذار من جهة مقابلة.
ولعل أبرز ما توقف عنده المراقبون في هذا الإطار هو:1 - إعلان اختصاص المحكمة الدولية للنظر في ما رفعه اللواء السيد أمامها، وهو ما يمكن أن يشكل مخرجا للسجال الدائر في لبنان حول المطالبة بتدخل القضاء اللبناني لمحاكمة "شهود الزور" الذين أدلوا بإفادات استند إليها المحقق الدولي ديتليف ميليس لطلب توقيف الضباط الأربعة عام 2005، لاسيما أن قرار فرانسين ذكر بالمرجعية الحصرية للمحكمة الدولية للنظر في جريمة اغتيال الحريري مرتكزا على اجتهادات تعتبر أن من حقها أيضا النظر في القضايا المرتبطة بها أو المتفرعة عنها. ومن شأن هذا الموقف أن يشكل مخرجا لمجلس الوزراء اللبناني يقوم على عدم جواز ملاحقة شهود الزور أمامه لاعتبارين: الأول يتعلق باختصاص المحكمة الدولية الحصري من جهة، والثاني لعدم الحاجة الى تدخل القضاء اللبناني مادام القضاء الدولي يأخذ على عاتقه إحقاق الحق، خلافا لما كان يقوله اللواء السيد من أنه في ظل رفض المحكمة الدولية النظر في قضيته فإنه يصبح من حقه اللجوء الى القضاء اللبناني.2 - إن الهجمة السياسية التي تشنها قوى 8 آذار على خصومها في 14 آذار على قاعدة أنهم سخروا السلطات الأمنية والقضائية التي أمسكوا ببعض مفاصلها بعد عام 2005 للانتقام السياسي من الضباط الأربعة ورموز خطهم السياسي، سقطت بقرار فرانسين الذي اعتبر أن السيد تمت "تخليته من قبلها (المحكمة) بعدما احتجز تحت سلطتها". وهذا يعني أن احتجاز السيد لم يكن بقرار لبناني إنما وفقا لتوصيات التحقيق الدولي كما بات معروفا.3 - لقد جمع القاضي فرانسين بين ما اعتبره "حقوق" اللواء السيد في الاطلاع على ملفه الجزائي ومتطلبات التحقيق الذي يتولاه المدعي العام الدولي دانيال بيلمار خصوصا لناحية "جواز تقييد هذا الحق، ولاسيما في حالة تأثير ذلك سلبا في تحقيق جار أو مسه بمصالح أساسية، أو بالامن الوطني أو الدولي". وهو ما يعني أن القاضي فرانسين الذي اعترف للسيد بحقه، ترك لبيلمار هامشا من الحركة يسمح له بعدم الكشف عما يمكن أن يعوق التحقيق الذي يتولاه أو يؤثر سلبا على الأمن الدولي أو على الأمن الوطني اللبناني.أما الخلاصة الشاملة لتأثيرات قرار فرانسين على الوضع اللبناني فيراها المراقبون وفقا للآتي:1 - المحكمة الدولية مستمرة في عملها، وفقا لآلياتها القانونية، بعيدا عن الاتهامات الموجهة إليها بالانحياز والتسييس بدليل اجتهادها في الدفاع عن "حقوق" اللواء السيد بدل تقيدها بحرفية النصوص التي تحكم عملها للتهرب من تلبية مطالبه.2 - القرار الاتهامي بات واضح المعالم في خطوطه العريضة، والوثائق التي بحوزة المدعي العام من الأهمية بحيث يمكن أن تؤثر في الأمن الدولي والاستقرار الوطني في لبنان.3 - عمل المحكمة مستمر بمعزل عن المطالبات الصادرة عن بعض الجهات بإلغائها، وهي تسعى إلى تعبئة الوقت الضائع في انتظار القرار الاتهامي.4 - العمل لتعطيل المحكمة مستمر من جانب حزب الله وحلفائه بمعزل عن الاتفاقات والتفاهمات السابقة بين اللبنانيين وبمعزل عن التزامات لبنان الدولية، علما أن الحزب يرى أن لعبة الوقت ليست لمصلحته، وأن التنازلات التي تقدم عليها المحكمة الدولية وبعض الفرقاء اللبنانيين في الشكل هي لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع.
دوليات
قرار المحكمة الدولية يخفف الضغط عن الحكومة اللبنانية: قبول مطالب السيد شرط عدم إلحاق الأذى بالتحقيق والاستقرار
19-09-2010