د. يحيى بلافيتشيني نائب رئيس الجمعية الإسلامية في إيطاليا: ضعف الثقافة لدى مسلمي إيطاليا المهاجرين سبب جهل الأجيال الجديدة بالإسلام
د. يحيى بلافيتشيني نائب رئيس الجمعية الإسلامية في إيطاليا يعد أحد المهمومين بالعمل الإسلامي على الساحة الإيطالية، ويسعى إلى إيجاد آليات عملية من خلال الجمعية للتواصل بين الحكومة الإيطالية والمسلمين الموجودين في إيطاليا، الذين يصل عددهم إلى مليون مسلم، 5 في المئة منهم من أصل إيطالي والباقي من المهاجرين.
في حواره مع "الجريدة" أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، كشف د. بلافيتشيني النقاب عن الدور الفاعل الذي تقوم به الجمعية لمساعدة المسلمين على الاستقرار في إيطاليا، متعرضاً لأهم وأبرز المشكلات التي تواجههم، وإبراز الأدوار التي يمكنهم القيام بها لتحقيق التوازن الفاعل والمثمر بين المسلمين وغيرهم داخل المجتمع الإيطالي، وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
في حواره مع "الجريدة" أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، كشف د. بلافيتشيني النقاب عن الدور الفاعل الذي تقوم به الجمعية لمساعدة المسلمين على الاستقرار في إيطاليا، متعرضاً لأهم وأبرز المشكلات التي تواجههم، وإبراز الأدوار التي يمكنهم القيام بها لتحقيق التوازن الفاعل والمثمر بين المسلمين وغيرهم داخل المجتمع الإيطالي، وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
● ما حجم الوجود الإسلامي في إيطاليا؟- يوجد في إيطاليا مليون مسلم من بينهم سبعون ألفا يعيشون في العاصمة روما وضواحيها، والجالية المغربية هي الأكثر عدداً فهي تزيد على ثلاثمئة ألف تأتي بعدها الجالية التونسية ثم السنغالية ثم المصرية، بالإضافة إلى الجاليات الإسلامية الأصغر حجما من الصومال وباكستان وبنغلادش والجزائر والأردن وتركيا وليبيا وفلسطين ولبنان، 5 في المئة فقط من المليون مسلم الذين يعيشون في إيطاليا، من أصل إيطالي، ولا يوجد في إيطاليا بأكملها سوى مسجدين فقط: الأول في روما والآخر في ميلانو، بالإضافة إلى المراكز الإسلامية غير الرسمية التي ينشئها المسلمون في إيطاليا، إلا أن الحكومة لا تعترف إلا بمسجدي روما وميلانو.
● وماذا عن الجمعية الإسلامية والدور الذي تقوم به لخدمة المجتمع المسلم في إيطاليا؟- الجمعية الإسلامية في إيطاليا عمرها الآن عشرون عاماً، وقد نشأت من أجل خدمة الإسلام والمسلمين في إيطاليا، وهي تتبع وزارة التربية والثقافة الإيطالية من الناحيتين الإدارية والتعليمية، وعلى الرغم من قصر عمرها فإنها قامت ببناء مسجد ومدرسة في مدينة ميلانو، وهو مكسب كبير لمسلمي إيطاليا، ونحن نعمل في إطار أوروبي كبير، ولنا صلات بالعديد من الجمعيات الإسلامية في كثير من الدول الأوروبية، ونقوم بعقد الندوات الدينية للتعريف بالإسلام كما نتعاون مع وزارات التعليم لتوفير المعلمين اللازمين لتدريس الإسلام واللغة العربية، وقد استطعنا توفير عدد غير قليل من المعلمين للقيام برسالة التعليم الإسلامي. إن هدف الجمعية الأساسي هو الحفاظ على هوية المجتمع في إيطاليا وتمكين المسلمين من إقامة شعائر دينهم بحرية وعلنية، ونكثف جهودنا كمسلمين في الغرب عامة وإيطاليا خاصة من أجل إصلاح صورة الإسلام من خلال محاربة الجهل به، وهو ما نسعى إليه من خلال اتصالاتنا المستمرة بالمراكز الثقافية في إيطاليا، خاصة أن الجمعية معترف بها من قبل الحكومة الإيطالية.● هل هناك علاقات تربط بين الجمعية والمنظمات الإسلامية في العالم الإسلامي؟- هذا موجود بالفعل ونحن نسعى إلى إحداث هذا الترابط، وقد حققنا فيه خطوات جيدة، فمنذ عام 1996 بدأنا إقامة علاقات رسمية مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، ورابطة العالم الإسلامي، وجمعية الدعوة الإسلامية، ومازلنا نواصل الجهود من أجل التواصل مع المنظمات الإسلامية العالمية من أجل دعم عملنا الإسلامي في الغرب.● ما أهم المشكلات التي تواجه الدعوة الإسلامية في إيطاليا؟ـ مازالت هناك مشكلة عدم توافر المصادر الموثوقة للتعريف بالإسلام، فعلى الرغم من أن الإسلام يهاجَم في الغرب، فإن التعرف عليه حتى لمسلمي المهجر وبالأخص في إيطاليا لا يأتي إلا من خلال كتب المستشرقين، وبالتالي يتم تعليم أبناء المسلمين هناك من تلك الكتب، وهو خطر حقيقي يهدد مستقبل الدعوة الإسلامية والتعريف بالإسلام في إيطاليا، ولذلك نحن نسعى كمؤسسة دينية إسلامية في إيطاليا إلى التعريف بالإسلام من خلال مصادره الأصلية، ونطالب الهيئات والمؤسسات بالعالم الإسلامي بضرورة دعم المسلمين في الغرب بشكل عام ليكونوا جسوراً للتواصل بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية.● وإلى أي مدى يسمح بالاهتمام بالدراسات الإسلامية في إيطاليا؟- يتم حاليا تدريس الدراسات الإسلامية بكليات الآداب بجامعات إيطاليا، إلا أن من يقوم على تدريسها غير مسلمين، خاصة أن الشباب الإيطاليين يحبون التعرف على الإسلام، وتاريخه، وفلسفته، والتعرف كذلك على الحضارة الإسلامية. ● ما أبرز المشكلات التي تواجه مسلمي إيطاليا في الوقت الحالي؟- هناك مهاجرون كثيرون يأتون إلى إيطاليا من مختلف أنحاء العالم، والمشكلة التي تواجهنا بسبب ذلك أن الحكومة تعتبر كل المسلمين مهاجرين، وذلك على الرغم من أن هناك مسلمين من أصل إيطالي، ومسلمين مكثوا سنوات عديدة في إيطاليا حتى أصبحوا جزءا من المجتمع الإيطالي، هذا بالإضافة إلى أن معظم المهاجرين يأتون إلى إيطاليا، ولا يعرفون شيئا عن الإسلام، ويبدأون الحديث عنه بشكل يسيء إلى الإسلام والمسلمين مما يفرض زيادة الجهد لمواجهة ما يصدر عن هؤلاء المهاجرين من تشويه، ويمكن القول إن المسلمين في إيطاليا يمرون بمرحلة دقيقة للغاية تنبع من أن المسلمين المهاجرين محدودو الثقافة ولا يعرفون الإسلام معرفة جيدة ولا يلتزمونه، وهم بذلك عرضة للتأثر بمن يدخلون مجال الدعوة عن جهل ويبثون أفكارهم الخاطئة، وللأسف فإن الجيل الثاني عندنا شب على الجهل بقواعد الإسلام وأصوله، وهكذا فإن معظم المشكلات التي تعانيها الجالية الإسلامية في إيطاليا مردها إلى افتقارها إلى الوسائل التي تساعدها على تربية أبنائها تربية إسلامية أصيلة وتؤصل فيهم هويتهم حتى يواجهوا هذا المجتمع الغربي وهم مسلحون بسلاح العقيدة والثوابت والأصول الإسلامية، فلا يذوبون في المجتمع الإيطالي ولا ينسلخون من الإسلام أو ينسونه تدريجياً، وهناك مشكلة مهمة في هذا الخصوص وهي أن كثيراً من أبناء الجالية يتزوجون بإيطاليات فينشأ الابن في أسرة الأب فيها عادة لديه ثقافة إسلامية ضعيفة والتزام ضئيل بالإسلام، والأم لا تعرف عن الإسلام شيئا بل أغلب الظن أنها على دين آخر، والشعائر الإسلامية من الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحتى الحج لا تؤدى وقراءة القرآن والأوراد لا تحدث وقراءة الكتب الثقافية الإسلامية غير موجودة. وهكذا فإن لم يحدث تدارك لهذه المشكلات الخطيرة فمعنى ذلك أن الجيلين الثاني والثالث والأجيال التالية ستكون غريبة عن الإسلام فاقدة للجذور والهوية.● وما الحلول التي يمكن تنفيذها لمواجهة هذه المشكلات من وجهة نظرك؟- هذه المشكلات يمكن مواجهتها من خلال وجود تنظيم أو رابطة قوية تجمع المنظمات الإسلامية المتناثرة في إطار قوي يهتم بالمسلمين ويربطهم اجتماعيا وثقافيا ودينيا وتعليميا ومهنياً ويدافع عنهم على المستويين السياسي والواقعي، لأنه على الرغم من أن هناك منظمات كثيرة لكنها متفرقة والكل يعمل في وادٍ بعيد عن الآخر، إن أمامنا الجالية اليهودية في إيطاليا التي استطاعت أن تجمع منظماتها في إطار «اتحاد الجاليات اليهودية»، وأبرموا اتفاقا مع الحكومة الإيطالية يضمن لهم الحفاظ على حقوقهم السياسية والثقافية والدينية والتعليمية، ونحن نأمل أن تجتمع كلمة المنظمات الإسلامية لتبرم اتفاقية مع الحكومة الإيطالية لتقنين الوجود الإسلامي على هذه الأرض والانخراط الكامل في المجتمع الإيطالي حتى يتحرك المسلمون بحرية كاملة، ولا يكون هناك فرق في المعاملة مطلقاً من قبل الحكومة بينناً نحن المسلمين من أصل إيطالي والمسلمين المهاجرين.● بما أن إيطاليا هي معقل الكاثوليكية في العالم وموطن الفاتيكان فهل يؤثر ذلك في المجتمع المسلم هناك؟- الكنيسة لم تكن تتوقع أن يعود الإسلام إلى إيطاليا بهذه السرعة وبهذه الكثافة خلال فترة زمنية ليست طويلة، وهو ما جعل الكنيسة تعيد حساباتها بالنسبة إلى الوجود الإسلامي، وتمثل ذلك في عدم تجاهل الوجود الإسلامي وبدء عهد جديد في التعامل معه عن طريق إنشاء روابط صداقة للحوار مع الإسلام، والقيام بدراسة عميقة لمعرفة حقيقة الإسلام، وتشجيع الإيطاليين للتعرف عليه عن قرب، ورغم ذلك فإن الكنيسة تعتقد أن الحوار بين الكاثوليك والمسلمين صعب جداً لأن الكاثوليك لديهم استعداد للحوار، بينما المسلمون ليس لديهم استعداد له، ويتصورون أن الحوار إنما هو فخ نصب لهم وأنهم يعتقدون أن الإسلام هو النموذج الاجتماعي الأصلح وليس في حاجة لأن يتعلم شيئاً من الآخرين، ولكننا في كثير من الأحيان نعتقد ونكاد نجزم أن هذا موقف متعنت من الكنيسة إلى حد كبير لأن المسلم صحيح العقيدة في أي مكان لا يمكن أن يرفض الحوار مع الآخر، لأنه أمر شجع عليه الإسلام ومارسه رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ولا يستطيع أحد إنكار أن هناك تطرفا مسيحيا كما يوجد تطرف إسلامي، وهؤلاء المتطرفون الكاثوليكيون يقفون حجر عثرة أمام وجود حوار إسلامي-مسيحي يحقق التعايش الإنساني في إيطاليا.● هناك محاولات متجددة تظهر من وقت لآخر من جانب الحكومة الإيطالية لمنع عرض المواد الدينية والدفن على الطريقة الإسلامية فكيف تواجهون هذا الأمر؟- هذا حادث بالفعل، ومن أبرز المشكلات التي تواجه المسلمين في المجتمع الإيطالي عدم اعتراف الدولة بالإسلام، الأمر الذي يجعلها تمنع عرض المواد الدينية الإسلامية على القنوات التلفزيونية الخاصة، لكن المركز الثقافي الإسلامي في روما والذي يؤدي دورا كبيرا في تعريفِ المجتمع الإيطالي بالإسلام، استطاع أن يحصل على فترةٍ إعلامية على إحدى القنوات الفضائية الخاصة، من أجل بثِّ البرامج الإسلامية، كذلك تمنع الدولة دفن المسلمين على الطريقة الإسلامية، لكن العاصمة روما تُعتبر استثناءً من ذلك، وهناك أيضا مشكلة عدم توافر المواد الإسلامية باللغة الإيطالية، الأمر الذي يشكِّل حجر عثرةٍ أمام تقدم الإسلام في هذا المجتمع الأوروبي.● هل هناك مشكلات تواجه أبناء المسلمين في المراحل التعليمية بإيطاليا؟- عدد الطلاب المسلمين في إيطاليا يبلغ 50 ألف طالب حسب إحصاءات وزارة التعليم، معظمهم من التونسيين والمصريين والمغاربة والجزائريين، ويحتاج المديرون والمدرسون إلى توجيه اهتمام خاص لأبناء المسلمين في المدارس الإيطالية، إذ يدرس أبناء المسلمين في مدارس غير إسلامية، مما يجعل المدرسين لا يفرقون في قضية العقيدة، وتعريف الأساتذة والطلبة الإيطاليين بالثقافة الإسلامية طريق مازال طويلاً في إيطاليا. وما يجعلنا متخلفين عن ركب بعض الدول في هذا المجال هو عدم وجود تربية إسلامية لأبناء المسلمين في إيطاليا، وعلينا ألا نسعى في هذه المرحلة إلى إنشاء مدرسة إسلامية وصفوف إسلامية منعزلة لأن وجودها لا يؤدي إلا لإقامة حواجز جديدة تمنع التقارب والتعارف، ونحن نطالب المدارس في أوروبا وخاصة في إيطاليا، أن تنفتح على الجميع وأن تخرج من حالة الجمود لتصبح ملتقى الأعراق والديانات المختلفة.