هناك منذ الأزل اختلافات بين البشر من الأديان كافة في فهم وتفسير وتحليل النصوص الدينية والأحداث الدينية التاريخية، إذ إن ذلك ليس مقصورا على الدين الإسلامي وحده، بل إننا نجد ذلك في الديانات الأخرى مثل اليهودية والمسيحية. ليس ذلك فحسب بل إنه يوجد اختلافات حتى ضمن المذهب الديني الواحد قد تصل أحيانا حد تكفير الطرف الآخر مثل الاختلافات الحاصلة بين كل من الإخوان المسلمين والسلف وحزب التحرير والجهاد والدعوة والتبليغ والصوفيين وغيرهم الكثير، أو الاختلاف بين التيار الصدري وحزب الفضيلة والمجلس الأعلى الاسلامي وغيرها في العراق، أو بين الاتجاهات الشيعية المختلفة في إيران.

Ad

إذن الاختلافات بين البشر في فهم وتفسير الأديان والمذاهب موجودة منذ الأزل وستظل لأن التاريخ والواقع أثبتا أنه من المستحيل أن يكون الناس جميعا على دين واحد أو ضمن قالب مذهبي أو فكري واحد. من هنا وعلى خلفية الشحن الطائفي الذي ترتب على خطاب الكراهية المذهبي المتطرف الذي ورد ضمن محاضرة لشخص مغمور أقيمت في لندن، وبثت مسجلة لاحقا على شبكة الإنترنت فإننا نتساءل: ترى لماذا تثار هذه الاختلافات المذهبية بشكل متطرف وبهذه القوة الآن رغم أنها اختلافات مستمرة منذ أكثر من 1400 سنة؟ ثم لماذا كانت ردة فعل الكويتيين الأعنف عالميا رغم حساسية وخطورة وضعنا الداخلي والإقليمي، ورغم أن ما قيل ليس إلا خطابا، لا أثر له إطلاقا، صادرا من شخص متطرف مغمور أعطي أكثر مما يستحق من اهتمام؟ على الضفة الأخرى ألم يقابل خطاب الحقد والكراهية المذهبي المتطرف بخطاب كراهية وحقد مضاد؟ أليس ذلك دليلا على وجود بيئة خصبة لدينا للتطرف والكراهية والحقد الديني والمذهبي وشاهدا على وجود حالة من الاحتقان الطائفي الحاد الذي يعانيه بلدنا والذي لا يحتاج لكي ينفجر إلا "لكلمتين فقط" تصدران من أي شخص مغمور، ومن أي مذهب وفي أي مكان في العالم؟ بمعنى آخر لو كان وضعنا الداخلي صلبا متماسكا فهل كان سيتأثر بما يقوله المتطرفون؟ إن ما حصل ويحصل حاليا هو نتاج طبيعي لوضعنا الداخلي المنقسم طائفيا وفئويا.

ماذا كنا نتوقع بعد أن ابتعدنا كثيرا عن التطبيق الفعلي للدستور الذي ينص على المواطنة الدستورية التي تضمن الحقوق والواجبات المتساوية، وبعد أن ضعفت التنظيمات السياسية الوطنية، وهمش دورها، وأفسح المجال للتنظيمات الدينية، وغاب التطبيق الجاد للقانون، واختلت العدالة الاجتماعية، واختزلت الديمقراطية لتصبح ورقة اقتراع فحسب، وأصبح الاستقطاب الطائفي والفئوي والقبلي والمناطقي هو الذي يضمن الفوز المؤكد في الانتخابات سواء البرلمانية أو البلدية أو على مستوى بعض مؤسسات المجتمع المدني أو الاتحادات الطلابية؟ بل ماذا كنا نتوقع عندما أصبح الانتماء الوطني الديمقراطي تهمة وأضحى الانتماء الطائفي والقبلي والفئوي والعائلي والولاء للأفراد، وليس المواطنة الدستورية والكفاءة العلمية والمهنية، هما جواز العبور للمناصب القيادية في الدولة وعندما أصبحت المحاصصة الطائفية والقبلية والفئوية هي المحدد الأساس في شغل المناصب العامة حتى على مستوى الوظائف الوسطى الفنية التنفيذية؟

من ناحية أخرى لا بد لنا أن نتساءل أيضا ما إذا كان لعملية التوقيت علاقة بما يجري الآن على الساحة العربية بشكل عام وعلى الساحتين العراقية والإيرانية بشكل خاص؟ بكلمات أخرى هل كان ذلك مقصودا، بعد أن بلغ التأجيج الطائفي والانقسام الفئوي لدينا مداهما في الآونة الأخيرة، من أجل إعطاء إشارة سياسية معينة في هذه اللحظات الدقيقة والحرجة التي تمر بها المنطقة لاسيما أن الكويت ترتبط  باتفاقية "سوفا" مع الولايات المتحدة الأميركية؟!

أسئلة كثيرة مهمة يتعين علينا الإجابة عنها لكي نتمكن من معرفة الأسباب الحقيقية لحالة الانقسام الطائفي الحاد، لأن التركيز على مظاهر المشكلة التي افتعلت أخيرا لن يعالج حالة الاستقطاب الطائفي الموجود في مجتمعنا، بل إن ذلك لن يكون، في أفضل أحواله، إلا تسكينا مؤقتا لبعض مظاهر المشكلة الطائفية التي قد تنفجر في أي وقت بشكل قد يكون من الاستحالة السيطرة عليه بسهولة، لاسيما أن أسبابها الرئيسة لاتزال موجودة.

 لذلك فإنه يجب أن يكون هناك سياسات حكومية جريئة وجدية طويلة المدى لمعالجة المشكلة الطائفية، إذ من المعروف أنها، أي الطائفية، ترتبط بعلاقة عكسية مع الديمقراطية الحقيقية التي وضع أسسها الدستور، ومع سيادة القانون والمواطنة الدستورية، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وقيم المجتمع المدني وهي أمور غائبة حاليا مع الأسف الشديد.