أحاول ألا أتأثر بالتقارير عن الحرب الوشيكة في الشرق الأوسط. فطوال سنوات، نظرت بعين الريبة إلى تخمينات عن أن إيران ستُضرب في غضون ثلاثة أشهر، ستة أشهر، أو بعد ظهر يوم السبت بعدما يُنهي علي خامنئي غداءه. لماذا؟ لأن الشرق الأوسط يخبئ لنا دوماً المفاجآت، فعندما نعتقد أن الحرب على الأبواب، لا يحدث أي تطور، والعكس صحيح.
ولكن أعجز راهناً عن التخلص من الشعور بأن أمراً سيئاً له علاقة بـ"حزب الله" على وشك أن يحدث، فستشهد المنطقة مواجهة كبيرة مع إسرائيل أو صراعاً مسلحاً داخل لبنان.بعد اشتباكات الجيش اللبناني الأخيرة مع قوات الدفاع الإسرائيلية، التي كانت تقطع شجرة على الحدود، يتوقع كثيرون أن القتال سيتجدد بين "حزب الله" وإسرائيل، والمسألة مسألة وقت ليس إلا، ولكن ثمة تطورا آخر أظهر مدى خطورة الصراع المقبل: تحذير "حزب الله" من أن الاتفاق الذي عُقد قبل سنتين في الدوحة على وشك الانهيار، وقد جاء هذا الاتفاق بعد أن هاجمت ميليشيات "حزب الله" القوات السُنيّة، وتسببت في مقتل تسعين شخصاً. وخوفاً من اندلاع حرب أهلية، سافرت الأطراف السُنيّة والمسيحية والشيعية المختلفة إلى العاصمة القطرية لمحاولة عقد صفقة تعيد الهدوء إلى لبنان. ونجحت أخيراً في التوصل إلى تسوية منحت "حزب الله" حق النقض في الحكومة اللبنانية.أطلق "حزب الله" هذا التحذير بعيد زيارة أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، للبنان. وقد قدِم إلى لبنان عقب زيارة مشتركة قام بها الملك السعودي والرئيس السوري إلى هذا البلد.ذكر محمد رعد، أحد أعضاء كتلة "حزب الله" في البرلمان اللبناني، في خطاب له أمام مجموعة من المناصرين، أن الحكومة اللبنانية تواجه تهديداً جديداً، وأن محكمة اغتيال رفيق الحريري سُيّست لتخدم مصالح إسرائيل، بكلمات أخرى، سيُعتبر أي اتهام ضد "حزب الله" عمل خيانة يدعم موقف إسرائيل.من هنا ينشأ السؤال: إن كان "حزب الله" يريد مهاجمة إسرائيل، فلمَ يحذر إذن من أن اتفاق الدوحة على وشك الانهيار؟ لا دخل لمهاجمة إسرائيل بهذه المسألة. يستطيع "حزب الله" خوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل من دون التحذير من أن اتفاق الدوحة على وشك الانهيار. فلو كانت إسرائيل الهدف الذي يضعه "حزب الله" نصب عينيه، لبذل قصارى جهده ليقوي اتفاق الدوحة كي يحصد فوائد الدعم الداخلي، في ما يشن حرباً على إسرائيل.ولكن ثمة احتمالاً آخر: قد يكون هذا الحزب الشيعي يتحضر ليحاول الاستئثار بالسلطة في الداخل. وقد تكون محاولته هذه دموية وتشمل مواجهات مسلحة مهولة، أو قد تحدث بطريقة سلمية من خلال، مثلاً، اتفاق مع الأطراف المعارضة. يتمتع "حزب الله" بالقدرة العسكرية على تنفيذ خطوة مماثلة، بما أنه الميليشيا الوحيدة في لبنان. وإذا تبيّن أن الحزب كان وراء اغتيال الحريري، فسيشكل ذلك إشارة واضحة لكل السياسيين اللبنانيين، إشارة إلى أن "حزب الله" ليس منظمة يمكن العبث معها.من المبرر أن تنظر إسرائيل بقلق إلى التطورات على حدودها الشمالية. فلربما كان اشتباك الجيش اللبناني الأخير مع القوات الإسرائيلية (بمباركة من "حزب الله" على الأرجح) اختباراً. ولن تكون هذه المرة الأولى التي ينفذ فيها "حزب الله" هجوماً صغيراً لاختبار الإرادة الإسرائيلية والدولية قبيل إقدامه على عملية كبرى. ففي عام 2005، حاولت قوات "حزب الله" خطف جنود إسرائيليين قرب قرية الغجر، إلا أنها أخفقت وخسرت أربعة من عناصرها، لكن هذا الفشل لم يردعها عن إعادة الكرة في عام 2006، مما أدى إلى اندلاع الحرب اللبنانية الثانية.ولكن ما يجب أن يُقلق الحكومة الإسرائيلية حقاً واقع أن الاشتباكات الأخيرة على الحدود جعلت "حزب الله" أكثر شعبية داخل لبنان. وهذا خبر جيد بالنسبة إلى الشعب اللبناني لأنه يشجّع "حزب الله" على التركيز على إسرائيل، ويمنعه من مواجهة عناصر محلية، وإلا سيبقى احتمال أن يحاول "حزب الله" الاستئثار بالسلطة قائماً.تبدو إسرائيل في وضع حرج لأنها غير مجهزة للدفاع عن نفسها دبلوماسياً. فصورتها المشوهة بعد خلافها مع إدارة أوباما وتركيا والمجتمع الدولي، بسبب أسطول غزة، تعني أنها لن تجد جمهوراً كبيراً مستعداً للإصغاء إلى مخاوفها، وإن كانت محقة. والمفرح بالنسبة إلى "حزب الله" هو أن عدد أصدقاء إسرائيل في المجتمع الدولي سيتراجع بسرعة، في حال أنهت تجميدها بناء المستوطنات.لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: هل "حزب الله" مستعد للانتظار حتى الخامس والعشرين من سبتمبر، موعد نهاية التجميد الحالي، ليرى ما سيحدث؟* مير جافدانفار | Meir Javedanfar ، محلل للشؤون الإسرائيلية الإيرانية في الشرق الأوسط يساهم دوماً في RealClearWorld. شارك في تأليف كتاب The Nuclear Sphinx of Tehran: Mahmoud Ahmadinejad and the State of Iran.
مقالات
لمَ يقترب «حزب الله» من الحرب؟
16-08-2010