«التأزم» يطغى على العراق - 2010... وآمال تتأجل إلى 2011

نشر في 30-12-2010
آخر تحديث 30-12-2010 | 00:01
• حكومة جديدة برئاسة نوري المالكي... بعد انتخابات عامة أعقبتها أزمة دامت أكثر من تسعة أشهر
• الوضع الأمني يبقى مقلقاً... واستهداف المسيحيين يثير موجات قلق
• مجلس الأمن يلغي قرارات صدرت ضد العراق عام 1990
مر عام 2010 على العراق وهو مليء بالأزمات السياسية قبل الأمنية والاجتماعية، وذلك بسبب الانتخابات التي جرت في 7 مارس، وما أعقبها من خلافات واختلافات وسجالات سياسية ترتب عليها بعد ذلك المشهد السياسي برمته. ومن ثم تم تشكيل الحكومة على ضوء المحاصصة ولكن بلغة جديدة هي حكومة شراكة وطنية دون تهميش أو إقصاء. وفي حقيقة الأمر كان هناك تهميش وإقصاء لنصف المجتمع، أي المرأة التي فقدت هذه المرة ثلاث حقائب وزارية وفازت بحقيبة واحدة، وهي وزارة دولة. ويبقى السؤال المطروح: "هل سيكون هذا العام الجديد أفضل من العام الماضي، بحيث يمر بسلام ووئام خصوصاً أن أغلب الأطراف السياسية تمت ترضيتها إلى حد ما؟!" الأشهر المقبلة هي الكفيلة بالإجابة عن ذلك.

نستطيع أن نصِف عام 2010 في العراق بعام الأزمة السياسية بلا منازع، بسبب الجدل الذي كان هو الشغل الشاغل للعراقيين طوال العام، بدءا من نتائج الانتخابات التي جرت في السابع من مارس الماضي والتي أظهرت نتائجها تقاربا بين الفائزين، فقد حصلت "قائمة العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي على 91 مقعدا، وحصل ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي على 89 مقعدا، وحصل "الائتلاف الوطني" بزعامة المجلس الأعلى الإسلامي بقيادة عمار الحكيم على 70 مقعدا و57 مقعدا للتحالف الكردستاني.

وتسبب ذلك في أزمة سياسية خانقة، زاد من وطأتها إعلان المحكمة الاتحادية العراقية العليا اعتبار الكتلة الكبرى التي يمنحها الدستور العراقي الحق في تشكيل الحكومة، هي الكتلة التي تتشكل داخل البرلمان وليست تلك الفائزة في الانتخابات. وهو ما يعني أن علاوي ليس من حقه تشكيل الحكومة بعدما نجح المالكي في إقناع الائتلاف الوطني العراقي ودمجه مع ائتلاف دولة القانون ومن ثم تشكيل أكبر كتلة تضم 159 عضوا وسميت بالتحالف الوطني الذي جمع ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني. وبقيت الأزمة مشتعلة بين الكتل السياسية وخصوصاً بين التحالف الوطني وقائمة العراقية، إلى أن تدخل رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بمبادرة سياسية وطلب من جميع رؤساء الكتل السياسية الحضور إلى أربيل وعقْد اجتماعٍ موسع من أجل حلحلة الوضع والخروج بنتيجة كي يتم تشكيل الحكومة الجديدة والتي شكلت سابقة أدخلت العراق في أكتوبر الماضي موسوعة غينيس للأرقام القياسية لفشله في تشكيل حكومة لأطول فترة تستغرقها أي عملية سياسية في تاريخ العالم الحديث وهي ثمانية أشهر.

وبعد مفاوضات شاقة، اتفق الجميع على انتخاب أسامة النجيفي رئيسا للبرلمان وجلال الطالباني رئيسا للجمهورية وتكليف المالكي تشكيلَ الحكومة العراقية في غضون 30 يوما، مع إسناد منصب رئيس المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية إلى علاوي، في إطار مبادرة البرزاني.

وأعطى مجلس النواب العراقي بعد مخاض عسير الثقة للحكومة العراقية الجديدة برئاسة نوري المالكي في الحادي والعشرين من الشهر الجاري والتي تضم 42 حقيبة وزارية إضافة إلى 3 نواب لرئيس الحكومة.  وصوت المجلس بالإجماع للحكومة الجديدة في حضور 279 نائباً من أصل 325، في ما يعني أن بعض الكتل الصغيرة تغيبت عن الجلسة، واحتفظ المالكي بالوزارات الأمنية بالوكالة إلى حين تقدم مرشحين ملائمين لها، كما صوت المجلس بالأغلبية الساحقة على أسماء الوزراء، وبالتحديد على روز نوري ساويش (نائباً لرئيس الوزراء ووزير التجارة بالوكالة) وحسين الشهرستاني (نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة ووزير الكهرباء بالوكالة)، وصالح المطلك (نائباً لرئيس الوزراء).

‎كما صوت النواب على هوشيار زيباري وزيرا للخارجية ووزيرا للدولة لشؤون المرأة بالوكالة، ورافع العيساوي وزيرا للمال، وعبدالكريم لعيبي وزيرا للنفط، وعلي الأديب وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، وهادي العامري وزيرا للنقل، ومجيد حميد أمين وزيرا للصحة، وأحمد ناصر دلي وزيرا للصناعة، وعز الدين عبدالله حسين وزيرا للزراعة، ومهند سلمان السعدي وزيرا للموارد المائية، ومحمد صاحب الدراجي وزيرا للإسكان، وجاسم محمد جعفر وزيرا للشباب والرياضة، وحسن الشمري وزيرا للعدل، ومحمد توفيق علاوي وزيرا للاتصالات، ونصار الربيعي وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، وعبدالكريم ياسين وزيرا للعلوم والتكنولوجيا، وسركون صليوه وزيرا للبيئة، وسعدون الدليمي وزيرا للثقافة، ومحمد شياع السوداني وزيرا لحقوق الإنسان.

وأدت الحكومة اليمين القانونية لتكون بذلك أكبر تشكيلة وزارية في المرحلة الجديدة.

لكن في المقابل كان هناك تجاهل وتهميش للمرأة العراقية من قبل الساسة وقادة الكتل السياسية عند تشكيل الحكومة، ليصبح حالها كحال البلد في انتظار دائم كي يحنو عليه أبناؤه ويمنحوه بعضاً مما يستحقه. فثارت ثائرة نساء العراق سواء ممن نجحن في البرلمان، أو من خلال منظمات المجتمع المدني، في محاولة للضغط على الحكومة لتغيير وضعهن، والفوز على الأقل بأربع وزارات كالحكومة السابقة، لكن لا حياة لمن تنادي، وبقيت امرأة واحدة هي التي حصلت على وزارة دولة وهي بطبيعة الحال ليس لها ميزانية، فقط هي وزارة تعطى من أجل الترضية.

 استحقاقات كبيرة

وينتظر الحكومة العراقية الجديدة استحقاقات كبيرة خلال العام الجديد أبرزها استضافة العراق للقمة العربية في مارس من عام 2011 وطرح مليارات الدولارات للاستثمار أمام الشركات الأجنبية لإعادة بناء البنى التحتية للاقتصاد العراقي، إضافة إلى تتويج الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة من خلال الانسحاب الكامل من العراق نهاية العام المقبل.

 وقد أعطى قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر خلال شهر ديسمبر بإلغاء عدد من القرارات الدولية التي صدرت ضد العراق عام 1990، على خلفية غزوه للكويت، دفعا جديدا للخروج من طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

الوضع الأمني

ورغم أن الأزمة السياسية تصدرت المشهد العراقي فإن الوضع الأمني الهش حافظ على مكانته كمصدر قلق رئيسي للعراقيين. واستمرت أعمال العنف بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والاغتيالات والاختطافات الفردية والجماعية وتفجير المنازل، ونذكر منها الضربات «المنسقة» التي شملت عددا من المدن العراقية في الشمال والوسط والغرب والجنوب، وأوقعت أكثر من 50 قتيلا ونحو 200 جريح أكثر من نصفهم من عناصر الشرطة في 25 أغسطس. كذلك وقعت تفجيرات في مدينة الحلة إثر انفجار ثلاث سيارات متزامنة عند خروج عمال مصنع للنسيج في 10 مايو، وراح ضحيتها أكثر من 100 شخص، وجرح أكثر من 120.

لكن ما تعرضت له كنيسة سيدة النجاة وسط بغداد في 31 أكتوبر وراح ضحيته أكثر من 58 شخصا بينهم نساء وأطفال وجرح أكثر من مئة كان له وقعه الخاص داخليا وخارجيا، إذ تعالت الأصوات بالسماح لمسيحيي العراق بالخروج من العراق, وفي المقابل أكدت أصوات ضرورة بقاء المسيحيين في بلدهم وعدم إفراغه من تنوعه الديني والمذهبي والعرقي.

العراق مع الجوار

وفي ما يتعلق بعلاقة العراق مع دول الجوار، أعاد العراق سفيره إلى دمشق، وفي المقابل أعادت سورية سفيرها إلى العراق، بعد فترة من الشد والجذب بسبب احتضان دمشق لعدد من الشخصيات البعثية العراقية المطلوبة للعراق والتابعة للنظام البائد، وانتهت الأزمة التي وصفها وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأنها "سحابة صيف مرت بين الإخوة والأشقاء".

 أيضاً علاقة العراق بالمملكة العربية السعودية كان يشوبها الكثير من التوتر، إلا أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أصدر مبادرة لحل الأزمة السياسية في العراق بتاريخ 29 أكتوبر تدعو إلى عقد اجتماع لجميع القوى السياسية في العراق في مدينة الرياض للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، إلا أن العراق رفض ذلك مؤكداً أن الأزمة السياسية العراقية يجب أن تحل في العراق لا خارجه.

إلى ذلك، أعلنت وزارة النقل العراقية في 25 مايو 2010 أن الحكومة قررت رسمياً حلّ شركة الخطوط الجوية العراقية بعد 65 عاماً من تأسيسها، وذلك إثر خلاف مالي بين الشركة ونظيرتها الكويتية، ولتجنب دعاوى قدمتها السلطات الكويتية ضدها في المحاكم البريطانية. كما قررت الحكومة أن تستبدل الشركة بشركتين أو ثلاث جديدة لاستئناف العمل.

وهكذا انتهى عام 2010 بكل ما حمل من عذابات وجراحات للعراقيين، وتبقى العيون معلقة الآمال رغم كل شيء على العام الجديد، علّه يحمل بعضاً من الأمن والأمان والاستقرار والهدوء والتوافق السياسي كي تسير عجلة هذا البلد.

back to top