فنّ الحوار... أهميّته في العائلة
الحوار جزء أساسي في حياة الإنسان، إذ يساعده على التواصل مع الغير فيتقرّب من المحيطين به ويتمكّن من التفاهم معهم بصورة أفضل. غير أنّ معظم الناس لا يتقنون فنّ الحوار ويجهلون أساليبه وقواعده، ما يجعلهم يقعون في سوء تفاهم كبير يؤدي بدوره الى خلافات عدة. كيف يتوصل المرء إلى إتقان فنّ الحوار؟ و ما مدى أهميّته في حياتنا اليوميّة وفي مجتمعنا؟لا شكّ في أنّ الإنسان مدنيّ بطبعه ولا يستطيع العيش بمفرده أو الانزواء عن المجتمع الذي يحيط به. إذ يحتاج إلى التواصل مع غيره بأيّة طريقة، فيشكّل الحوار السّبيل الأفضل الى ذلك. ونظرًا الى مدى أهميّته في حياة الإنسان، تناول فلاسفة وكتّاب كثر هذا الموضوع في كتبهم وآرائهم الفلسفيّة.
الحوار إحدى وسائل الاتصال الأكثر فاعليّة، ومن شأنه أن يقرّب بين النّاس وأن يساعدهم على التفاهم والاتّفاق والإصغاء على رغم اختلاف الآراء وطرق التّفكير، بالإضافة إلى أنّ الحوار يتطلب مهارات معينة، ويرتكز على قواعد ومبادئ محددة لا يمكن إلغاؤها أو التفاهم من دونها. للحوار أهميّة كبرى في الحياة العائلية، إذ يحاول الأهل من خلاله التقرّب من أولادهم والتّفاهم معهم، وإرشادهم على طريق التربية السليمة والمنتجة. لكن يجدر بالأهل معرفة كيفيّة التحاور مع أولادهم لتجنّب الخلافات والمشاكل التي قد تؤثّر سلبًا على الأبناء. يسفر الاختلاف بين الأهل وأبنائهم في طريقة التفكير عن مشاكل كثيرة، لذلك على الأهل تقبّل آراء أبنائهم لعلّها صحيحة، لكن في حال كانت خاطئة، فيجدر بهم التكلّم بهدوء ليتقبّل الأبناء ملاحظاتهم ويمتثلوا الى طلباتهم. بالإضافة إلى أنّ الأسلوب الحواري الفاشل وغير المناسب مع الأبناء يؤدي الى العناد والسّلوك العدائي، ويدفعهم أحياناً الى الانطواء على أنفسهم والعيش في عزلة فيبتعدون عن والديهم هرباً من أسلوب حوارهما وتعاملهما معهم. إذًا، على الأهل التكلّم والتحاور مع أبنائهم بعطف وحنان واحترام، إذ إنّ الحوار مع الولد يحتاج الى الكثير من الصبر، وبهذه الطريقة يعلّم الوالدان أبناءهما فن الحوار السليم. وبالتالي يسمح الحوار للأهل بالتطرّق الى أدق التفاصيل الخاصة بحياة أولادهم ومشاكلهم. كذلك، يشكّل الحوار وسيلة مثاليّة لبناء جو أسري سليم يدعم نمو الأولاد ويؤدّي بهم إلى تكوين شخصية سليمة قوية إيجابية ويعزّز ثقتهم بنفسهم.من جهة أخرى، الحوار بين الزوجين مفتاح التفاهم والانسجام. فحين يتحاوران يعبّران عن نفسيهما وشخصيّتيهما وآرائهما... فالحوار ليس أداة تعبير «لغوي» فحسب بل هو أداة التعبير الذاتي أيضاً ويتّصف بالتفاهم والانسجام وتحقيق المودة والألفة. بالتالي، الزواج الذي لا يتضمّن حواراً بين الزوجين هو الأكثر ضعفاً ويواجه مشاكل عدة وهو الأقل قدرة على الاستمرار، فتسيطر على الحياة الزوجية حالة ملل وجمود وتبتعد كثيراً عن حياة الإثارة والفرح. وعلى الزوجين في ظلّ هذا الوضع، اللّجوء الى الحوار والتكلم عن كلّ ما يشغل بالهما، ومشاركة بعضهما البعض المشاكل اليوميّة لإيجاد الحلول العائليّة المناسبة... لا يُخفى علينا أنّ البحث عن المودة والاهتمام الصادق بين النّاس أحد أكثر الأمور الصعبة في حياتنا، فالمودة تبدأ عندما يصغي الزوجان الى بعضهما البعض، ويعبران عن الأحاسيس التي يشعران بها حتى تلك التي قد تعرّضهما للرفض أحياناً؛ فالإصغاء والتواصل من أكثر العوامل قوة وتأثيراً في نوعية العلاقة الزوجية. مثلاً، ترغب المرأة في أن تطلع زوجها على ما تريد قوله أو فعله، فيساعدها ذلك على الشعور بالراحة والاطمئنان، خصوصاً عندما يصغي إليها ويعطيها النّصائح. أمّا الأبناء فهُم أيضًا يرتاحون كثيرًا عندما يتكلّمون مع أهلهم ويشاركونهم أفكارهم وأحداثهم اليوميّة.أخيرًا، يتّصف الحوار بقيمٍ عدة، من شأنها أن تقرّب النّاس من بعضهم البعض وتساعدهم على التّفاهم على رغم اختلاف الآراء وأساليب الكلام والتفكير. كذلك، يرتكز على الصراحة والصدق والاحترام المتبادل، وعلى الإصغاء الذي يساهم بدوره في الاتفاق بين الناس ويحدّ من المشاكل بينهم.