في يوم الثلاثاء الموافق 11 مايو من العام الحالي، كتبتُ في زاويتي هذه مقالاً بعنوان «محمد مساعد الصالح... الله بالخير»، ذكرت فيه انسحاب الصالح بهدوء من كتابة عموده اليومي «الله بالخير» من جريدة «القبس»، وأشرتُ إلى أن غياب قلم محمد مساعد الصالح عن الصحافة الكويتية، هو غياب كبير يصعب تعويضه.

Ad

وأشرت يومها إلى أنني: «أعلم تماماً أن شارعاً سيُسمّى باسم محمد مساعد الصالح، وأعلم كذلك أن اسمه قد يُطلق على إحدى مدارس وزارة التربية، لكن ما يحزّ في النفس أن الأستاذ محمد مساعد الصالح، أطال الله في عمره، اكتفى بأن ينسحب بهدوء من عالم الكتابة والصحافة اليومية، بسبب مرضه، وأنه يحيا بيننا كأجمل ما تكون الحياة، من دون أن تبادر جهة ما إلى تكريمه بما يستحق من تكريم وبما يتناسب مع عطائه الكبير».

لقد قصدت من مقالي ذاك التنبيه إلى الضرورة الملحة لتكريم قامة صحافية كبيرة، كان لها التأثير الكبير والباقي في مسيرة الصحافة الكويتية، وأنه سيكون للتكريم مذاق طيب وأثر كبير في نفس المكرّم وأسرته وأصدقائه وأصحاب صنعته الأدبية ما دام المكرّم حياً يُرزق. وتمنيت أن تبادر أي جهة ثقافية أو فكرية أو صحافية، رسمية كانت أو أهلية، إلى ذلك، لكن للأسف انتقل محمد مساعد الصالح إلى جوار ربه، دون أن يحظى، في وطنه، بتكريم يليق بقامته وعطائه، وأن أي تكريم أو تأبين سيأتي الآن، سيكون بالتأكيد متأخراً ومتأخراً جداً، بعد غياب المكرّم.

وكم رددت السؤال: لماذا لا تحلو لنا التكريمات، بجميع أنواعها، إلا بعد أن يموت المحتفى به؟!

يمثل محمد مساعد الصالح والباقون من أصدقائه ومجايليه، كوكبة عالية الهمة من أبناء الكويت، كوكبة عاشت بزوغ وطن، وانتقاله من حال إلى حال، مثلما تشربت بالهم القومي العربي، وحلمت بوطن عربي موحد من المحيط إلى الخليج، وإذا كانت قد تنعمت بعز وخيرات وطنها الكويت، فإنها تجرعت انتكاسة الأحلام وتبعثر الشعارات، وعاشت واقع وطنٍ عربي تنهش الفرقة والأمراض فيه من كل جانب.

عرفت الكويت والعالم العربي محمد مساعد الصالح، بصفته رجل صحافة، وصاحب قلم صادق لا يساوم على مبادئه وقناعاته، ويدرك كل من تابع عمود الصالح اليومي، إيمانه بالحياة الطيبة الشريفة، واتخاذه الفرح وخفة الروح طريقاً إلى الحياة.

يحيا الإنسان والأدب والفكر إلى جانبه، ومن هنا يأتي التأثير الكبير للأدب والفكر في حياة الإنسان، وقدرتهما على إمداده بالقوة الضرورية لتحمل صعاب ومرارات الواقع، وهذا يوضح الحاجة الملحة إلى وجود قلم عاشق للحياة وباحث دائم عن مباهجها الطيبة الشريفة، فرسم ابتسامة عابرة على شفاه القراء، أصعب بكثير من إدخال الحزن إلى نفوسهم، وقلة قليلة أولئك الذين حباهم الله بموهبة الكتابة، وميزهم بقلم يبعث السرور في قلب القارئ، أياً كان الموضوع الذي يخوض فيه.

إن خسارة الصحافة الكويتية بغياب محمد مساعد الصالح كبيرة وكبيرة جداً، لكن الأمل معقود على أجيال ناشئة من أبناء الكويت، آمنت بالكلمة والقلم، ونذرت عمرها له.

«أبا طلال، أيها الصديق الكريم، لك المغفرة والرحمة الواسعة، وإذا كنت قد عنونت عمودك الأشهر بـ(الله بالخير)، فإني أقول لك جملتي الأخيرة: الله معك».