سدوا ثغراتكم... وإلا أكلتكم الطيور الغاضبة!
ما قام به الوزير لم يخرج من دائرة الصلاحيات القانونية الممنوحة لمعاليه، حتى إن كان تصرفا غريباً مريباً، مضحكاً بعض الشيء! وإن كل ما قلته سيسقط ويتهاوى بالطبع، إن ثبت أن «آي باد» الوزير لم يذهب لاستخدامه في احتياجات العمل، وإنما صار يستخدم، بواسطته أو بواسطة أحد غيره، في ممارسة لعبة «الطيور الغاضبة».
تداولت وسائل التراسل الإلكترونية (الهواتف النقالة، ومواقع الإنترنت، وغيرها)، خلال الأيام الماضية، صورة تم التقاطها بكاميرا هاتف نقال لخطاب داخلي في إحدى وزارات الدولة، عن وزير يطلب من الإدارة المختصة توفير جهاز "آي باد" لاستخدامه. وبالطبع فإن الصورة قد جرى تداولها مصحوبة بالكثير من الانتقادات وعبارات الاستهجان اللاذعة والنكت التي خرج أغلبها عن الذوق.كنت واحداً ممن وصلتهم الصورة أكثر من مرة ومن أكثر من طرف، وكنت أكتفي بالرد على مرسليها بأن ما فعله الوزير لا يخرج عن صلاحياته القانونية، مستنداً في ذلك إلى أن الكثير من موظفي الدولة، في مراتب ومواقع مختلفة، يتسلمون على سبيل العهدة، أجهزة كمبيوتر وهواتف نقالات، بل سيارات أحياناً، وبالتالي فلا غريب في هذه الصورة. لكن الظاهر أن "الطيور الغاضبة" التي استهجنت تصرف الوزير، وتحمست لإعادة إرسال الصورة عبر خدمة "برودكاست"، وهي الخدمة التي تنشر أي رسالة، وبكبسة زر، إلى كل الأرقام الموجودة في هواتفهم النقالة، وبالمجان، كانت تنظر إلى "الآي باد" على أنه "لعبة"، وبالتالي فليس من حق الوزير أن "يلعب" على حساب الدولة، وهذا ليس بصحيح، فالـ"آي باد" ليس كذلك، وإنما جهاز كمبيوتر من الممكن توظيفه وبكفاءة لخدمة العمل. وإما أنهم يرون أن من المزري أن يطلب وزيرا "قد الدنيا" يقبض "شيئاً وشويات" جهازاً قيمته لا تتجاوز ثلاثمئة دينار من كيس الوزارة، وهذا أيضا ليس بصحيح جداً، فالكثير من المسؤولين، الكبار والصغار، يحصلون على مثل هذه الأشياء، التي قد تبدو ككماليات للوهلة الأولى، على "قفا" ميزانية الدولة، لأسباب وأعذار شتى!لهذا، فخلاصة القول عن هذه الجزئية، أن ما قام به الوزير لم يخرج من دائرة الصلاحيات القانونية الممنوحة لمعاليه، حتى إن كان تصرفا غريباً مريباً، مضحكاً بعض الشيء! لكن، وبالطبع، فإن كل ما قلته سيسقط ويتهاوى، إن ثبت أن "آي باد" الوزير لم يذهب لاستخدامه في احتياجات العمل، وإنما صار يستخدم، بواسطته أو بواسطة أحد غيره، في ممارسة لعبة "الطيور الغاضبة"، والتي هي لعبة شهيرة من ألعاب الـ"آي باد"، أو ربما ليسخدمه في التغريد في موقع "تويتر" في غير ما يخص العمل!هذه القصة الظريفة، تكشف لنا ألا أحداً اليوم، مع هذا "الاندلاق" المعلوماتي والانفتاح المجنون لوسائط التراسل الإلكتروني، في مأمن من أن ينشر عنه أي شيء، بالصورة والصوت والفيديو، وأنه لا يستثنى من ذلك كائناً من كان، صغيراً أو كبيراً، وأنه إن كان الموقع الشهير "ويكيليكس" قد صار اليوم مسبباً لكل هذا القدر من التوتر السياسي والإعلامي، ومحرجاً لحكومات بأسرها، بما ينشره وسينشره من وثائق، فإن خدمات التراسل الإلكترونية الممتدة عبر أغصان وفروع كثيفة من شبكات التواصل الاجتماعي، يزرع بذورها وينميها عوام الناس، دون تثبت ولا تمحيص في الغالب، سيكون أشبه بـ"ويكيليكس" مفتوح على الدوام.إن الأنظمة والحكومات، خصوصا تلك التي تظن أنها تحكم السيطرة على حركة الأشياء في داخل حدودها، ما عادت في مأمن أبدا من "الليكس"، وهي اللفظة الإنكليزية التي تعني التسربات، ولذلك ستتسرب بلاويها ورزاياها يوماً بعد يوم، وستنشر على رؤوس الأشهاد، وستصبح في أيدي جميع الناس، حتى صغارهم يلهون بها، ويسخرون منها! إنه زمن "الليكس" يا سادة، فأصلحوا من ثغراتكم أصلحكم الله! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة