ديمقراطيتنا الناقصة وحريتنا النسبية

نشر في 01-11-2010 | 00:00
آخر تحديث 01-11-2010 | 00:00
 د. بدر الديحاني من الناحية النظرية البحتة فإن لدينا دستوراً ينظم حياتنا العامة، ولدينا ديمقراطية نسبية وحرية لا بأس بها، لكن في الواقع العملي فإن الدستور لا يمثل سوى الحد الأدنى لإقامة دولة دستورية ديمقراطية حديثة، ومع ذلك فإنه غير مطبق تطبيقا كاملا، ويتم الالتفاف على نصوصه الصريحة جهارا نهارا، أما ديمقراطيتنا فإنها ناقصة غير متكملة إذ ليس هنالك تداول للسلطة، وهناك تداخل بين السلطات، فالحكومة ممثلة بكاملها داخل البرلمان رغم أنها حكومة غير منتخبة، ناهيكم عن الغياب الكامل للأحزاب أو الجماعات السياسية التي تتشكل على أسس وطنية صرفة، وتقوم على برامج سياسية واقتصادية واجتماعية.

أضف إلى ذلك تخلف قانون الانتخاب وعدم ديمقراطيته ناهيكم عن عدم دستوريته، إذ إنه يكرس الانقسامات الثانوية ويخلّ بعملية تمثيل عضو مجلس الأمة للأمة قاطبة؛ مما جعل الانتخابات العامة تتحول إلى مزايدات سطحية تعكس تدني الوعي العام، ولا ترتقي به، واستعراضات خطابية فارغة من أي مضمون سياسي حقيقي؛ لذا فإن عملية النجاح في الانتخابات العامة لا تعتمد على جودة البرامج السياسية التي يطرحها المرشحون، إذ ليس هنالك أحزاب سياسية تتنافس على برامج وطنية عامة، بل إن الوصول إلى المجلس يعتمد على القدرات الفردية والملاءة المالية للمرشحين، وعلى درجة تمثيل المرشح وتناغمه مع الاستقطابات الطائفية والقبلية والفئوية.

لهذا فقد سيطر الطابع الفردي الانتهازي على الانتخابات العامة، وعلى الحياة السياسية إجمالا؛ بما في ذلك العمل داخل لجان البرلمان، أو حتى طريقة النقاش العام ولغة التخاطب بين أعضاء مجلس الأمة، أو نوعية تصريحاتهم الإعلامية التي يغلب عليها كلها طابع الخلافات الشخصية العدائية التي عادة ما نشاهدها لدى بعض الشباب المراهق؛ لأن أغلبية الأعضاء لا يفقهون شيئا البتة في ماهية العمل البرلماني ومتطلباته وضغوطه، ناهيكم عن عدم معرفتهم بطبيعة العمل العام أو السياسي ومتطلباته.

علاوة على ذلك فإن تشكيل الحكومة لا يخضع غالبا للاعتبارات السياسية، بل يغلب عليه طابع الاختيارات الفردية البحتة والعلاقات الشخصية لهذا فإن بعض أعضاء الحكومة، إن لم يكن أغلبهم، ليس لديهم تجارب سياسية سابقة أو معايشة من أي نوع كان مع الشأن العام قبل توزيرهم، حيث ينقص بعضهم، كما هو ملاحظ، الحاسة السياسية المطلوبة لمعرفة طبيعة دورهم الدستوري والسياسي، ناهيكم عن عدم معرفتهم بماهية العمل العام وطبيعته ومتطلباته، ولنا في تصريحات بعض الوزراء أو طريقة تعاملهم مع البرلمان أو مع وسائل الإعلام خير شاهد هنا.

وقد زاد الطين بلة، كما يقال، تراجع دور القوى السياسية وبالذات القوى الوطنية الديمقراطية في الحياة العامة نتيجة لعوامل كثيرة؛ مما أدى إلى تقوقعها واقتصار دورها السياسي على إدارة الحملات الانتخابية لمرشحي مجلس الأمة.

لهذا فقد أصبحنا نعيش فوضى سياسية مؤسفة يدفع ثمنها الوطن ناتجة عن عدم استكمال بناء النظام الديمقراطي للدولة الحديثة الذي وضع أسسه الدستور، وليس كما يدعي أعداء الديمقراطية والدستور بأن مردها، أي الفوضى، هو هامش الحرية النسبية الذي نتمتع به لاسيما حرية الرأي والتعبير التي يعملون من دون كلل أو ملل من أجل التعدي عليها، وتقييدها بالمزيد من القوانين غير الدستورية لكي تتحول ديمقراطيتنا على أيديهم إلى ديمقراطية شكلية، مع أن حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور بريئة مما يدّعون، فلولاها لما استطعنا أن نكتشف التعديات الصارخة على أملاك الدولة، ولما كان بمقدورنا معرفة السرقات الضخمة التي طالت المال العام، ولما كان بمقدورنا أيضا التحدث علنا عن الفساد السياسي وفضح القوى السياسية والاقتصادية المسؤولة عن الفوضى السياسية التي نعيشها الآن.

لذلك فإن القضية لا تتعلق البتة بالهامش النسبي المتوافر لدينا من حرية الرأي والتعبير، بل إن للفوضى والتخلف السياسي أسبابا أخرى ذكرنا بعضها آنفا وهو الأمر الذي يتطلب الإسراع في إصلاح نظامنا الديمقراطي وتجديده، إذ إن ذلك أصبح أمرا ضروريا وملحا لأن تأجيل عملية الإصلاح السياسي الملح والتجديد الديمقراطي المستحق ستقود حتما إلى المزيد من الفوضى السياسية التي ستكون حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور في مقدمة ضحاياها.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top