وماذا عن الكويت
هل يعيب الأدب في شيء أن يكون سلعة أو تجارة؟ سؤال يبدو أكثر إلحاحاً، حين نتجول في أروقة مهرجان طيران الإمارات للآداب. ليس سؤال الأدب وحده الملح في هذه المرحلة، وإنما مفهومنا للمهرجانات الأدبية، يتزعزع في وقت ما. إذ لم يعد الأمر مقتصراً على أمسية شعرية، ومحاضرة، ومن ثم حديث عن أدب الطفل، وإن يكن هذا الأخير أكثر قرباً نحو «تسليع» الكتابة، فالمحاضرات المعنية بأدب الطفل تبدو مكتظة بالحضور، ومن ثم فإن الكتب المغلفة بالورق الصقيل، والمزيّنة بالرسومات تباع بأسعار مرتفعة مقارنة بكتب الكبار، ورغم ذلك هناك طوابير من البشر لشراء هذه الكتب مرتفعة الثمن، ومن ثم الحظوة بتوقيع الكاتب.
قد يكون لطبيعة المهرجان الذي تنظمه شركة طيران عالمية دور في السير نحو هذا الاتجاه، فضيوف المهرجان من الكتاب العرب لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وإذا أضفنا إليهم الكتاب الإماراتيين (البلد المضيف)، فإننا لا نخرج سوى بخمسة عشر كاتباً عربياً، من بين مئة وثلاثين كاتباً من جميع أرجاء العالم. هذا المنحى في التنظيم يخدم الفكرة النفعية للمهرجان، بمعنى أن الشركة المنظمة، ومعها المؤسسات والشركات الراعية يهمها كثيرا أن تزيد مبيعات التذاكر عن الحدود الدنيا المتصورة سلفاً، كما أن «لوغو» أو شعار الشركة الراعية يصل إلى أكبر قدر من القراء. ليس مهماً تصنيف هؤلاء القراء، وما إذا كانوا مبدعين على المستوى التقني، أو طيبي القلب، حسني السمعة والذكر، كل هذه الأمور ليست مهمة بالقدر الذي يهمنا هنا (بحسب رؤية الشركات) عدد المبيع، والزخم الجماهيري للكتاب.في أحد أروقة المهرجان استوقفتني لحظة مشتركة مع الكاتبة الكويتية هدى الشوا، بادرتني بالسؤال، ما الذي ينقصنا في الكويت، لم لا ننظم مثل هذا المهرجان؟ يبدو السؤال عصيباً، رغم أنه نابع بحرقة من قلب كاتبة تتمنى السمعة الثقافية المرموقة لوطنها، أو إن شئنا الدقة فإننا نقول إعادة السمعة الثقافية للكويت، وليس خلقها من جديد. الكويت التي ما إن تلتقي بأحد في الرباط، أو سراييفو أو دبي، إلا وتطرق إلى حقبة الستينيات والسبعينيات، وإصدارات المجلس الوطني (المتوقفة)، ومجلة العربي. هذه الكويت التي ترسخت في الوعي الثقافي العربي ليس صعباً إعادة خلق مكانتها من جديد، ليس بالطبع عن طريق استنساخ التجربة الإماراتية، وإنما تخليق آفاق جديدة للمشاريع الثقافية بها شيء من هذا وذاك.قد يشعر الكتاب العرب، وهم قلة بالحنين إلى لغتهم الأم، في هكذا مهرجان يكسوه الطابع الغربي الإنكليزي تحديداً، ولكن المعضلة أكبر من حنين أو شوق، أو تحدث بهذه اللغة أو تلك. المشكلة بنيوية تتعلق ببنية الثقافة العربية، أو الوعي الجمعي العربي، فنحن بحاجة إلى إعادة النظر في التصنيف الأدبي الذي نضعه سلفاً، وكذا هدم كل الجسور الفوقية التي نضعها لصنف أدبي دون غيره. فقصص الجريمة ليست صنفاً يأتي في الدرجة الثانية، والشركة الناشرة لا يهمها ذلك طالما تضمن عدداً من الحضور للندوة الواحدة لا يقل عن مئة وخمسين شخصاً، جميعهم يقتني كتاباً بعد الندوة، ويقف في طابور طويل قد يستغرق ساعة أو أكثر في سبيل توقيع الكتاب أو التصوير مع الكاتب، إنه منظر مشاهد بوضوح في مهرجان طيران الإمارات، ويشعر الكاتب هنا بقدر من الاحترام والمكانة الاجتماعية قلما تتوافر لأحد غيره، يمكن أن نلحق بذلك المحاضرات المخصصة لتنمية الذات، أو أساليب الإعلام المعاصر، أو حتى كتب الطبخ، وحِيل السياسيين في الوصول إلى مناصب القيادة. مثل هذه المواضيع تجد رواجا جماهيريا أكثر بكثير من الحديث عن تقنيات الرواية والقصيدة الحديثة أو النقد الأدبي. المؤسف أن الوعي العربي يقوم على تبجيل هذه العناصر الأخيرة، في حين نجد غياباً تاماً عن الموضوعات الأخرى التي هي نفعية ومفيدة للقراء، وأكثر انتشاراً لدى الإنسان الغربي العاشق للكتاب والقراءة.