خبر نشرته «الجريدة» قبل أيام يقول إن عددا من النواب يسعون إلى عقد جلسة خاصة من أجل مناقشة «الخطر الإيراني» على الكويت في ضوء شبكة التجسس التي كشف عنها أخيرا، وأن الهدف من الجلسة ليس الاستماع إلى الإجراءات الحكومية المتخذة في هذا الجانب، بل لحض الحكومة على مواجهة الخطر الإيراني، ووضع خطط له! إضافة إلى مناقشة قضية العمالة الإيرانية في الكويت!!

Ad

شخصيا أرى أن النظام الإيراني من أسوأ الأنظمة على مستوى العالم داخليا، وملك التناقضات في المواقف خارجيا، يؤيد الثوار في كل بقاع الأرض ويقمعهم في أرضه، ويدعم الديمقراطية في كل العالم ويطبق الدكتاتورية في بلده، فالأقليات لا حقوق لها والمرأة مضطهدة والمعارضون السياسيون يقبعون في السجون ويعاقبون عقوبات لا تتناسب مع مستوى الجرم... إن وجد أصلا!

لذلك كله أنا آخر من يدافع عن نظام حكم كهذا، وآخر من يتعاطف ويدعو إلى التقارب معه، لكنني في الوقت ذاته لا أستسيغ المبالغة والتهويل في أي حدث أو موقف سياسي تجاهه خصوصا حين تصدر من جهات لها أجندات معروفة الأهداف والنوايا، وتنطلق من أفواه عرفت بتعصبها ومذهبيتها المقيتة، وتحاول بطريقة غير مباشرة الربط بين فئة من الكويتيين ترتبط مرجعيتهم الدينية لا السياسية بإيران، فهو ضرب تحت الحزام... بالوكالة!

لا ينكر أحد أن إيران حاولت لعب دور سياسي في أحداث البحرين الأخيرة تحقق من خلاله بعض المكاسب هناك، وهو دور أضر بالمتظاهرين كثيرا واستغل ضدهم إعلاميا شر استغلال، إذ أفشل محاولاتهم بالإصلاح السياسي والاجتماعي المستحق والمشروع في بداية المظاهرات، وأعطى النظام البحريني أفضل مبرر لقمعهم باستخدام إيران كفزاعة والزعم بأنها وراء هذه المظاهرات، ورغم عدم اقتناع الكثيرين بهكذا ادعاء غير أن الشكوك انتصرت في النهاية، وكان التخوف من التدخل الإيراني سيد الموقف الخليجي!

ثم جاء الحكم على شبكة التجسس الإيرانية في الكويت ليزيد من الطين بلة، ولتتهيج النفوس أكثر وأكثر تجاه الجار الذي يقبع على الضفة الأخرى من الخليج، وليصاب بعض النواب لدينا بفوبيا من كل ما هو إيراني بدءا من «الجلو كباب» وانتهاء بعامل البقالة البسيط، فقد تصور بعضهم أن الـ150 ألف عامل إيراني يأتمرون جميعهم بأوامر السفارة الإيرانية، ويطبقون مخططا أعد لكل واحد منهم... بدقة وعناية!

على الرغم من أنهم نواب في البرلمان ويفترض بهم أن يعرفوا ويدركوا تماما أن التجسس عادة دولية، وأن كل دولة صغيرة أو كبيرة لها جواسيس منتشرون في كل الدول كما على أرضها جواسيس من كل الدول الصديقة والشقيقة! والعبرة ليس في وجودهم لكن في الهدف والغاية من هذا الوجود، وإن كان هناك نوايا مستقبلية لتنفيذ مخطط ما، أو أن الحكاية كلها نقل معلومات من هنا إلى هناك!

لا أريد التهوين من الضرر الذي قد تقوم به إيران نحونا، لكنني في الوقت ذاته لا تعجبني المبالغة والتعامل مع الأمر وكأننا في حرب فعلية قائمة مع الدولة الفارسية، لنتمهل قليلا ولنفكر في هدوء في الطريقة المثلى للتعامل مع جارنا المشاكس، ولنترك الهيجان والفوران العاطفي جانبا فنتائجه وخيمة دائما، ولو أن كل دولة اكتشفت أن وجود خلايا تجسسية على أرضها تابعة لدولة أخرى وتصرفت بما يريده بعض نوابنا، لدخلت الدول كلها في حروب دامية مع بعضها بعضا، ولأصبحت كل دولة عدوة للأخرى!

قدرنا الأبدي أن نتعايش مع الإيرانيين كجيران، وأن نحترم الشعب الإيراني ذي الحضارة والتاريخ العريقين، وأن نتحمل من أجله أخطاء وزلات نظامه، لا أن نصب عليه جام غضبنا من أجل نظام ديني قمعي يلفظ أنفاسه الأخيرة في زمن لم يعد هناك مكان لأمثاله من الأنظمة، وألا نخسر هذا الشعب المقهور من أجل حفنة من المتشددين استولوا على الحكم في غفلة من الزمن، صدقوني، إنهم لا يستحقون أن نعادي هذا الشعب الكريم والأمين والمسالم الذي يعيش بيننا لحظة واحدة... فهم زائلون قريبا!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة