صحافية تخطف المواليد!
أفرجت الشرطة عن الزميلتين المغامرتين أروى خشيفاتي وأسماء الغابري بعد التعرف على طبيعة المهمة الصحفية الخاصة التي كانتا تقومان بها لمصلحة «عكاظ» في إحدى المستشفيات الحكومية، وبالطبع لن نقول للزميلتين: «الحبس للرجال»، بل سنقول: «الحمد لله على السلامة والحبس للنسوان أيضا... أخوات الرجال»، وقد جاءت هذه المغامرة الصحفية إثر خطف أحد المواليد من مستشفى في المدينة المنورة.
وهذا اللون من التحقيقات الصحفية الذي يمكن أن نسميه مجازا بـ»المهمة الخاصة» والذي يقوم الصحافي خلاله بتقمص دور سائق تاكسي أو متسول أو مراجع أو مريض هو من أصعب أنواع التحقيقات الصحفية، لعدة أسباب: أهمها أنه غالبا ما يعتبر عملا غير مرخص كما أن الجهة المستهدفة في هذا التحقيق عادة ما يزعجها هذا الاختراق الصحفي، لذلك تتعامل معه بقسوة وجفاء حال اكتشافه!وعكاظ من أكثر الصحف السعودية اهتماما بهذا اللون من التحقيقات، حيث اعتمدت كثيرا على «الصحافي الخفي»، ومن أكثر من لعبوا هذا الدور الزميل حسين الحجاجي والذي مازال يقوم بهذه المغامرات الصحفية رغم ما واجهه من متاعب كبيرة طوال السنوات الماضية، وهناك العديد من صحافيي «عكاظ» الذين أبدعوا في هذا المضمار ومن أبرزهم الزميل عبدالله الحارثي. وإذا أردنا الحق فإن المهمات الصحفية الخاصة في الصحافة السعودية– والعربية بشكل عام– تتحول إلى «دلع» لطيف ومزاح خفيف حين نقارنها بالمهات الخاصة في الصحافة الغربية! فمن المهمات الخاصة التي قام بها صحافي إنكليزي يعمل لمصلحة إحدى الصحف الشعبية الأكثر انتشارا أنه بعد أحداث سبتمبر 2001 حين كانت كل مطارات العالم تعيش فوبيا الإرهاب نجح في تهريب مسدس وقنبلة يدوية خلال رحلة جوية من لندن إلى إحدى العواصم العربية، وبعد أن قضى ليلة هادئة في أحد فنادق هذه العاصمة العربية عاد إلى لندن «بمسدسه وقنبلته!» دون أن يستوقفه أي أحد في أي مكان! ليثبت للجميع أن كل الإجراءات الأمنية التي أعلنتها المطارات يمكن اختراقها، وبالطبع حين يأتي الحديث عن المهمات الخاصة في الصحافة الإنكليزية لا يمكن نسيان الصحافي الذي وصل إلى غرفة الملكة إليزابيث الثانية.وبالعودة إلى الصحافة السعودية أتذكر قصة أحد الزملاء حين تم تكليفه بارتكاب مخالفة مرورية تقوده إلى احتجازه في توقيف المرور، فارتكب الزميل سلسلة من المخالفات دون أن يوقفه أحد، فاقترحنا عليه تغيير الحي الراقي الذي كان يرتكب فيه مخالفاته المرورية فذهب إلى أحد الأحياء الراقية وما هي إلا ساعة واحدة حتى تلقينا منه اتصالا من «التوقيف».ولا شك أن المحرر الميداني الذي يقوم بمثل هذه المهمة يعتمد أساسا على جرأته الشخصية، أما إذا رافقه مصور في هذه المهمة فإن المصور يحتاج إلى جرأة أكبر وقدرة استثنائية على التخفي لأن الكاميرا تحوله إلى هدف مكشوف، ولكن الجرأة ليست كل شيء، فمن المهم أيضا أن تتوافر عند الصحافي قدرة عالية على التقمص، أتذكر أن أحد الزملاء الشباب اقترح أن يتقمص دور سباك كي يكشف أن الناس يسلمون رقابهم لعمالة بلا خبرة، وقد كانت فكرة جميلة بالفعل، ولكن بعد يومين جاءنا المصور وهو يملأ صالة التحرير صراخا بعد أن أحرقته شمس الظهيرة مؤكدا استحالة أن يقوم أي زبون في العالم باستئجار زميلنا السباك، وحين سألناه عن السبب أخرج لنا الصور التي رأينا فيها أن الزميل يقف في الشارع وهو يمسك بعدة السباكة التقليدية «عوامة، مواسير... إلخ»، ولكنه يرتدي نظارة شمسية فاخرة وملابس من أرقى الماركات العالمية، وقبل أن أقول رأيي في الصور سألني الزميل المصور: «أنا راض بضميرك... بالله عليك هذا سباك ولا مطرب؟!».* كاتب سعودي