في مدح النساء


نشر في 17-04-2011
آخر تحديث 17-04-2011 | 00:01
 آدم يوسف وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي

وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِف جِدّا

فَإِن يَأكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم

وَإِن يَهدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا

وَإِن ضَيَّعوا غيبي حَفظتُ غيوبَهُم

وَإِن هُم هَوَوا غَييِّ هَوَيتُ لَهُم رُشدا

المقنع الكندي

كان مقررا علينا في المرحلة الثانوية مقاطع من قصيدة الشاعر الأموي المقنع الكندي، وهي قصيدة مليئة بالحكمة، ومعاني الكرم التي يجلّها العرب، إلا أن ثمة أسبابا أخرى تجعل قصيدة مثل هذه تعلق بالذهن، أهمها ما يروى عن الشاعر من نسب رفيع، وصفات جمالية أشبه بالأسطورة، الأمر الذي يرتبط بارتدائه القناع، وإن اختلفت الروايات بشأنه إلا أن الغالب أن الشاعر كان يضع القناع لجمال وجهه، وخوفا من العين والحسد، وقيل إنه ما إن ينزع القناع حتى يصاب بالعياء والتعب بفعل «عيون الحاسدين».

الروايات عن حياة هذا الشاعر وعلو شأنه لا تخلو من الطرفة والمبالغة أحياناً، وغالبا ما يُذكر المقنع الكندي مع شعراء آخرين مشابهين له، عُرفوا ببهاء الطلّة، ومن هؤلاء وضاح اليمن، وعمر بن أبي ربيعة، ويأتي في مقدمتهم الشاعر الجاهلي امرؤ القيس، الذي غلبت عليه أخبار رحلاته وصراعه من أجل استعادة ملك أبيه.

يتعاطى هؤلاء الشعراء مع الغزل كل على طريقته، ولكن الثابت أن علاقاتهم مع الملوك والولاة لم تكن على ما يرام، لذا لم نجد لهم شعرا مشهورا في مدح الخلفاء بقدر شعرهم في مدح محبوباتهم، ممن تقع عليهن العين، ولذا كان يُروى عن عمر بن أبي ربيعة قصة طريفة، إذ سأله الخليفة سليمان بن عبدالملك: «ما يمنعك من مدحنا؟ فقال إني لا أمدح الرجال وإنما أمدح النساء». ويروى أن عمر بن أبي ربيعة ولد في ذات العام الذي توفي فيه عمر بن الخطاب، فقيل بعد ذلك: «أي حق رفع، وأي باطل وُضع»، في إشارة إلى فُحش أبي ربيعة في شعره، ورُقي وورع عمر بن الخطاب.

وأما وضاح اليمن فقصته مع الخليفة الوليد بن عبدالملك معروفة، وهي شاهد على تلك العلاقة المرتبكة بين الشعراء فاتني الجمال والخلفاء، فحسب ما يروى أن وضاح اليمن لقي حتفه على يد الخليفة بسبب تعزّله بأم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان زوجة الخليفة، وقيل إن خدم القصر أوصلوا الوشاية بأن وضاحا مع أم البنين في خدر القصر، وما إن وصل الخليفة حتى خبأته في صندوق كبير، وما كان من الخليفة إلا أن طلب أخذ الصندوق كله، وأمر بحفر بئر كبيرة في القصر وألقى فيه بالصندوق وما حوى، وقيل إن وضاحا اختفى من يومها، وثمة روايات أخرى في هذا الشأن، وكان وضاح حذرا من أم البنين التي طلبت إليه التغزل بها، حسب ما يروي طه حسين وآخرون. الشاهد هنا هذه العلاقة المرتبكة بين الطرفين.

وأما امرؤ القيس فقصة رحلته إلى قيصر وبلاد الشام مشهورة، وإن اختلفت الروايات بشأن وصوله إلى هناك وسبب وفاته، الخيال الشعبي يجنح إلى أن لـ»حبائل النساء» دورا في ذلك، إذ أهداه القيصر حلة مسمومة بعد أن علم بشأن علاقته مع ابنته، إلا أن من الرواة من ينفي أصلا وصوله إلى بلاد القيصر أو «القسطنطينية» وإنما مات في الطريق إليهما.

back to top