1 - خبر عزم العراق على عقد مؤتمر القمة العربية القادم في مارس 2011 يكاد أن يكون نكتة أو "مزحة بائخة"، يطلقها طاقم الجامعة العربية مع بعض المسؤولين العراقيين. وهي من النكات أو "المزحات" التي تُبكي ولا تُضحك، وتترك في النفس الشماتة والحزن، وهي مثل التي تقال في "سرادقات" العزاء، لنسيان حالة الفزع من الموت والحزن على الفقيد.

Ad

كيف يريد المسؤولون العراقيون عقد مؤتمر قمة عربي في بغداد وهم الذين ارتموا في أحضان إيران الخمينية وغرقوا في الخليج الفارسي، وأصبحت الإشارات السياسية بنعم أو لا، تصدر من طهران، وغدا المرشد الأعلى في إيران هو القابض على مفاتيح العراق يفتح أبوابه متى شاء، ويغلقها متى شاء؟

إن العزم على عقد مؤتمر قمة عربي في بغداد كالعزم على عقد مثل هذا المؤتمر في طهران، أو في قم مثلاً!

ومن يقرأ كتاب رشيد الخيّون "لاهوت السياسة: الأحزاب الدينية المعاصرة في العراق" سيرى أن كل الأحزاب تدين بالولاء المطلق لإيران الخمينية، وهذه الأحزاب خصوصاً "حزب الدعوة" الذي يرأسه نوري المالكي الآن كأمين عام له هو الذي حكم العراق طيلة ست سنوات مضت (2004-2010) من خلال رئاسة وزراء إبراهيم الجعفري (2004-2005) ونوري المالكي (2005-2010) وسيحكمه خمس سنوات (2010-2015) أخرى برئاسة المالكي كما يجري الترتيب الآن.

2 - أناتول ليفن Lieven الباحث الرئيسي في "المؤسسة الأميركية الجديدة" في واشنطن في كتابه الضخم (637 صفحة) "أميركا بين الحق والباطل: تشريح القومية الأميركية" يقول إن إميركا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أصبحت تميل إلى القومية المدنيةCivic Nationalism أكثر من ميلها إلى الوطنية Patriotism حيث "تنبع الوطنية من حب ماضي الأمة في حين تنشأ القومية من الأمل بمستقبل الأمة وعظمة تميزها". على حد قول أرفينغ كريستول Kristol (أحد آباء مدرسة المحافظين الجدد)، وحيث إن الدعوة القومية تنشأ وتتخلّق في رحم الدعوة الدينية، وهو ما لاحظه الباحث الفرنسي في الشؤون الدينية دومونيك أورفوا في كتابه "المفكرون الأحرار في الإسلام" (ص15- 23). وحزب الدعوة كان يفعل في العراق وسيفعل فيه مستقبلاً في السنوات الخمس القادمة الشيء ذاته من حيث إنه تحول إلى القومية الدينية Religious Nationalism  بدلا من الوطنية، وذلك تمشياً مع العقيدة القومية الدينية الإيرانية، التي تسعى إلى بناء الإمبراطورية الفارسية، دون الالتفاف إلى الماضي ولكن انطلاقاً من المستقبل المتوّج بالقنبلة النووية (المهدي المنتظر) التي تسعى إلى امتلاكها، وكذلك يفعل العراق المالكي بقيادة حزب الدعوة الديني الذي يكره ماضي العراق، ويريد له مستقبلاً مالكياً دعوياً جديداً ضمن الإطار الخميني العام.

3 - لو سأل العراقيون من أفراد ومسؤولين، ماذا قدم العرب للعراق بعد 2003، لكان الجواب صفراً؟ ولو سأل العراقيون جميعاً أنفسهم: ماذا أرسل العرب للعراق بعد 2003 من موجات العنف والإرهاب لكان الجواب كثيراً، وما لا يُحصى؟

ولو سأل العراقيون جميعاً أنفسهم: ماذا قدَّمَ العرب من نصائح ومساعدة للعراق لكي يبتعد عن إيران، وعن تولية حزب ديني للحكم يسعى لإقامة "ولاية الفقيه" في العراق، وهو حزب لا فرق كبيراً بين أهدافه ومبادئه عن "جماعة الإخوان المسلمين" الساعية الى الحكم لإعادة إقامة الخلافة الإسلامية؟ ولو سأل العراقيون جميعاً أنفسهم: كيف سيحمي العراق الزعماء العرب والوفود التي معهم وهو غير قادر على حماية المواطنين والمسؤولين العراقيين، لكان جوابه بائساً وحزيناً؟ ولو سأل العراقيون جميعاً أنفسهم: هل سيكون العراق صريحاً وواضحاً مع الزعماء العرب ويكاشفهم من خلال الأدلة والبراهين عما جنت أيديهم في العراق، وما دمرته وقتلته منذ 2003 إلى الآن؟ ولو سأل العراقيون جميعاً أنفسهم: ماذا استفادت العواصم العربية التي أُقيمت فيها أكثر من عشرين قمة عربية منذ أكثر من نصف قرن إلى الآن، لكان الجواب هزيلاً؟

فلماذا تحرص بغداد على دعوة العرب لعقد مؤتمر القمة القادم في بغداد، التي لو لم يكن العرب جيرانها، لما حلَّ بها نكبات أكبر مما حلَّ بها في أثناء غزو المغول لها، وتدميرها عام 1258م؟

4 - فمؤتمر القمة العربي رغم تكاليفه المالية العالية- والتي أولى بها الشعب العراقي المحروم من الخدمات اليومية البسيطة– فإنه سيعمل على تلميع السلطة الحاكمة في العراق الآن، وعلى مباركة ما تقوم به من عودة عن مظاهر الحداثة التي تجلّت في الأسبوع الماضي أكثر ما تجلَّت، بقرار وزارة التربية والتعليم بإزالة الأعمال الفنية التشكيلية التي تركها لنا عظماء العراق من الفنانين الخالدين كجواد سليم، وفائق حسن، وشاكر حسن آل سعيد، وغيرهم. والتي نددنا بها في الأسبوع الماضي، في مقالنا (نسخة جديدة من "طالبان" في العراق) هنا في "الجريدة"، كما ندد بها المؤرخ العراقي رشيد الخيّون في مقاله "العراق: أنقذوا التعليم من الظلامية" (جريدة "الاتحاد" الإماراتية، 15/12/2010) والذي قال فيه: "ليس حقل التَّربية والتَّعليم يعود إلى الوراء فحسب، إنما الحكومات المحلية يوماً بعد يوم تعود بالعراق إلى إجراءات الحسبة والمحتسبين. فمع كلِّ ما يقال عن الفساد المالي والإداري والمحسوبية الحزبية هناك، فإن الانطلاق إلى الأمام، عبر التربية والتعليم، أمر لا يفرط به، وحتى القوى الإسلامية الكُردية التي رضيت بالدِّيمقراطية حلاً، ليس في حسابها أن تفصل بين الجنسين في المعاهد، ولا تحجب تعلّم الموسيقى، ولا تقف ضد المسرح والتمثيل، وليس بتفكيرها أن تعلن، لو هيمنت عبر الديمقراطية، محافظات الإقليم إسلاميةً، مثلما يجري في وسط العراق وجنوبه".

* كاتب أردني