لعبة الأمم!
في سبعينيات القرن الماضي راج كتاب «لعبة الأمم» لصاحبه مايلز كوبلاند الذي بحكم مهمته كمسؤول في الاستخبارات المركزية الـ«سي.آي.إيه» تابع عن كثب تطورات هذه المنطقة, وخصوصاً الدول العربية المحيطة بإسرائيل, في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، إذ بدأت «الحرب الباردة» التي اتخذت أشكالاً متعددة، والتي بقيت مستمرة حتى انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي.«لعبة الأمم» هذه, حسب هذا الكاتب, بدأت بإعلان البريطانيين انسحابهم مما سمي «باكس براتينكا» في الشرق الأوسط بادئين بالانسحاب من اليونان وتركيا، إذ بدأت الحرب الباردة وبدأ التدخل الأميركي في هذه المنطقة بالمراهنة على الانقلابات العسكرية التي تعاقبت في سورية، بداية بانقلاب حسني الزعيم في عام 1949 الذي أُتبع بانقلاب سامي الحناوي في العام نفسه، ثم انقلاب أديب الشيشكلي، ثم سلسلة الانقلابات التي تعاقبت حتى الانقلاب على الوحدة المصرية-السورية في عام 1961، ثم انقلاب حزب البعث في الثامن من مارس 1963.وفي العراق وفي إطار هذه اللعبة ذاتها, «لعبة الأمم», كان هناك انقلاب عبدالكريم قاسم على النظام الملكي وعلى الوحدة العراقية-الأردنية، وانقلاب عبدالسلام عارف ثم انقلاب حزب البعث، وهكذا إلى أن انتهت مقاليد الأمور إلى يد صدام حسين في عام 1979، وبالطبع فإن انقلاب الضباط الأحرار على الملك فاروق في عام 1952 كان أهم محطات هذه اللعبة من وجهة نظر هذا المؤلف الذي عرف هذا الانقلاب (الثورة)! وعرف قائده عبدالناصر عن قرب.
وهكذا وبما أن الأوضاع لم تستقر بعدْ بعدَ انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وبما أن معادلة «القطب الواحد», بعد ذلك الانهيار، باتت معرضة للاهتزاز فإن لعبة أمم جديدة أو في الحقيقة «لعبة على الأمم»، التي كانت قد بدأت بحروب البلقان وبانهيارات أوروبا الشرقية، قد تواصلت بعد كارثة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001 بغزو أفغانستان وغزو العراق وبعدم الاستقرار في باكستان... والآن جاء دور هذه المنطقة، فالمؤكد أن ما جرى في مصر سوف ينتقل إلى دول عربية أخرى وخصوصاً التي لها علاقة مباشرة بالصراع العربي-الإسرائيلي، فالأساس في الشرق الأوسط بالنسبة إلى الولايات المتحدة والغرب كله هو إسرائيل ومستقبلها، وهو إنهاء هذا الصراع بسرعة حتى إن تطلبت الأمور تغيير خرائط سياسية كثيرة. الآن أصبحت منطقة الشرق الأوسط في قلب هذه اللعبة أي «اللعبة على الأمم» وليس لعبة الأمم، وهنا فإن الخوف هو أن يكون هناك في النتيجة تلاق بين الأميركيين والإيرانيين والإسرائيليين في هيئة تفاهم على كيفية تقاسم النفوذ في هذه المنطقة، وهذا ما أشارت إليه وقائع ما جرى في «ميدان التحرير»، حيث لم يُحرق أي علم أميركي أو إسرائيلي أو إيراني، ولم يصل إلى آذان وعيون وسائل الإعلام، التي كانت تحتشد في هذا المكان، أي هتافٍ ولو من قبل شخصٍ واحد من بين مئات ألوف المحتشدين وملايين المتظاهرين في كل المدن المصرية ضد أميركا أو إيران أو إسرائيل.إن هذا ليس تشكيكاً على الإطلاق في صدق نوايا الذين حققوا هذا التحول الكبير من أبناء الشعب المصري العظيم، كما أنه ليس مسّاً بوطنية وصدق وإخلاص الضباط الذين تنازل إليهم الرئيس حسني مبارك عن صلاحياته... إنه محاولة لرسم صورة «بانورامية» للشرق الأوسط «الجديد»! في ضوء هذا الذي انتهت إليه عملية السلام في المنطقة وقبل هذا في ضوء اهتزازات معادلة «القطب الأوحد»، إذ بعد عشرة أعوام من انهيار الاتحاد السوفياتي بدأ الأميركيون يشعرون بأن معادلة العالم المتعدد الأقطاب قادمة لا محالة إن لم يتم التصدي لها من خلال التلاعب بالخرائط السياسية للمنطقة الأهم التي هي المنطقة الشرق أوسطية.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة