بروكلين هايتس

نشر في 24-01-2011
آخر تحديث 24-01-2011 | 00:00
 فوزية شويش السالم لا أتذكر كم عدد الروايات التي قرأتها وشعرت بصدقها وحرارتها ودفء المشاعر المدفونة فيها، ولعل رواية بروكلين هايتس تأتي على رأسها، وربما تكون من أكثر الحالات قرباً لي وأنا أقرأ في رواية أشعرتني بكل تفاصيل شخصية مؤلفها... أو مؤلفتها الصديقة العزيزة ميرال الطحاوي، التي بيني وبينها معرفة لا أعرف عدد سنواتها، فذاكرتي الحقيقية هي ما قبل صدام حسين وكل ذاكرتي من بعده اختلطت فيها الأمور، لكن ربما كانت معرفتي بها ما بين 12 و14 عاماً... كانت فيها لقاءات متقطعة ودائماً من خلال مجموعات لم تتح لنا أن نكون علاقة أعمق تمنيت أن تكون... وعلى هذا فحاستي الروائية استطاعت الغوص فيها والتشرب بكل تفاصيلها الإنسانية التي جاءت مطابقة لما شعرت به في روايتها أو سيرتها الحسية الرائعة في روايتها بروكلين هايتس، ففي هذه الرواية التي تحكي عن أم وابنها تعيش في أحد أحياء نيويورك القديمة في وسط تشكيلة من المهاجرين والمغتربين عن أوطانهم باختلاف أديانهم ومذاهبهم ومشاكلهم ومعاناتهم مع مشاكل الاغتراب والبحث عن روابط إنسانية تقربهم بعضهم من بعض.

ميرال تنقلت في ذاكرتها ما بين ماضيها في بيتهم الريفي في مصر وطفولتها ومراهقتها فيه وما بين حياتها في بروكلين في لقطات ومشاهد متبادلة ما بين هنا وهناك وقصص من هنا وهناك، وأحداث تجري هنا تذكرها بما جرى هناك مع رسم الأماكن وأحيائها وجسورها وطرقها بكل التفاصيل الحية الدقيقة وأيضاً هنا وهناك، ما بين الماضي والحاضر، الزمان والمكان يتقاطعان ويتبادلان الأدوار.

ميرال بقلم مرهف وحسية عالية كشفت عن مشاعر الألم وأوجاع الخيانة وكبرياء المرأة النازف والمجروح بالخديعة، هذا القلب المكسور الذي يطوح بالبطلة إلى أبعد ما يمكن، وإلى أقصى نقطة تمثل الهروب بعيداً عن كل ما يوجع القلب ويعذب الروح حتى في تغريبها عن كل ما تنتمي إليه.

في هذه الرواية كشفت ميرال عن تلك المناطق الحسية في أحاسيس الجسد وتفاصيل عذاباته و»خيباته» وخوفه وانكساراته وهزائمه ما بين ماضيه وحاضره. وهذا الكشف كان على مستوى جميع الشخصيات، الأب والأم والجدة والأقارب والمعارف سواء في مصر أو في بروكلين هايتس.

كأن الإنسان في كل الأحوال هو مخلوق من الهشاشة والانهزام، ولا يبقى إلا الزمان والمكان هما سيدا الحياة كلها وكل ما يمر فيها هو هباء عابر.

أجواء هذه الرواية خاصة في المشاهد التي تدور في الأرياف تذكرني بقصة الطريق المسدود لإحسان عبدالقدوس، فالصيدلي والمدرس والمدرسة والتلميذات والأجواء كلها تتشابه مع قصة الطريق المسدود، وهذا يعود إلى طبيعة الحياة في الأرياف.

أكتب هذه المقالة ولا أدري إن كانت ستفوز بجائزة البوكر أم لا؟ وإن كانت في الحقيقة تستحقها لأصالة الصدق فيها، ولدقة رسم الشخصيات، وللتصوير الدقيق للحياة في ما بين الضفتين الشرق والغرب، ولتلك الاختلافات في ما بينهما. أنا لم أقرأ بعد من روايات القائمة القصيرة إلا هذه الرواية ولا أدري إن كان هناك من يستحقها أكثر. ورغم أنني لا أستطيع الحكم على عمل صديق بحياد تام فإن ميرال الطحاوي بكل دقة تفاصيلها كانت معي لدرجة التشابك معاً، إلى هذه الدرجة استطاعت أن تعكس فيها أحاسيسها وتفاصيلها.

«بروكلين هايتس»... رواية شفافة تلامس الوجدان بحسية ورهافة عالية.

back to top