كتبت مرة جانيت دالي في "الإندبندنت" أن "الحرية ليست بضاعة في سوبر ماركت تنتقي منها ما تشاء، بل هي التزام يعمّ المجتمع الحر؛ فالعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين يفرض على الآخرين الالتزام بتقبّل الحرية كموضوع إيجابي، بدلاً من النظر إليها على أنها غياب الانضباط". مثل هذا الكلام يصحّ توجيهه إلى "ربيعنا" الكثيرين من الذين ابتهجوا على حفلة ليلة الحربش وشمتوا في النواب والمواطنين المضروبين، وأخذ "ربيعنا" ينظرون في حكم القانون وضرورة الالتزام بعدم التجمع خارج الدواوين، وتشعر دائماً بعبارات تتردد في صدورهم أحياناً ويفصحون عنها في أحيان أخرى، مثل "زين سوّوا فيهم... ولا يجوز الاحتكام إلى الشارع من هؤلاء الغوغاء... وكل ما حدث من ترتيب الإسلاميين والقبليين حتى يحل مجلس الأمة ويأتي مجلس مكون من أغلبية أصحاب اللحى والقبليين".

Ad

 هذا الخطاب عنصري مغرق في التخلف ويغيب عن دعاته أبسط معاني الحرية، مثل هذا الخطاب الذي نقرأه منمقاً في زوايا العديد من الزملاء الكُتاب لا يختلف في موضوعه عن خطاب القوى الدينية المتزمتة، وإن اختلف عنه في الشكل، فعند هؤلاء لا يصح مساندة فيصل مسلم في موضوع "رفع الحصانة عنه" فهذا خالف القانون كما "نفهمه" وحدنا واستغل مركزه في النيابة، ولماذا نتعاطف مع وليد الطبطبائي ومحمد هايف والحربش وغيرهم ممَّن تجمعوا في ديوان الأخير، ألم يكن هؤلاء النواب نجوم الضوابط الثلاثة عشر؟ أوَليس هؤلاء النواب هم الذين يقفون ضد الحريات الشخصية وفرضوا منع الاختلاط بالجامعة ويسعون إلى تكريسه في التعليم الخاص ويحرضون ضد وزيرة التربية إذا لم تعيّن مديراً للجامعة والمعاهد التطبيقية من الناس المرضيّ عنهم ولو كانوا من غير ذوي الكفاءة... أليس هؤلاء النواب هم مَن رفع الحراب على المايوهات النسائية في "سان تروبيز" شارع البلاجات... إلخ!! طبعاً يتناسى "ربيعنا" أنه كان هناك في ديوان الحربش النائب الصلب صالح الملا ومرزوق الغانم والعنجري الذي أصيب من خيرات القوات الخاصة.

 الخطأ الكبير عند "ربيعنا" أنهم يقيسون المواقف السياسية بأشخاصها لا بموضوعها والقيم التي تمثلها، إذ بمجرد أن يطرح مسلم أو وليد موضوعاً ما فإنه ينبغي رفضه وإدانته دون النظر في صلب ما يطرح، فهناك مواقف "مسبقة" اتخذت من "ربيعنا" ضد هذا النائب أو ذاك! فالحرية تحدد سلفاً ووفقاً لمن يطرحها لا بحسب جوهرها. هنا نتذكر ما ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب في عبارةٍ أعتقد أنها ستبقى خالدة: "إنك لا تعرف الحق بالرجال وإنما تعرف الرجال بالحق".. بكلام آخر يصير الحق مسألة موضوع الحقيقة وغير مرتبط بأشخاصه، فيجب عندئذ أن نقف مع فيصل مسلم حين يثار موضوع رفع الحصانة عنه، لأنها مسألة حق، وفي الوقت ذاته نعارض فيصل وننتقده حين يصطفّ مع قضايا خرق الحريات الشخصية في اللباس أو التعليم أو غير ذلك مما تطرحه القوى المتزمتة، ويفترض أن نؤيد وليد لشجاعته حين كان على متن الباخرة التركية ضحية العدوان الإسرائيلي ونعارضه منتقدين حين يصير الحديث عن قضية المساواة بين الرجل والمرأة أو عندما أخطأ بحق اللواء الشمالي في ليلة الحربش عندما قال للشمالي: "روح حق تجمعات الحسينيات!!" وهكذا يفترض أن تسير الأمور دون ازدواجية المواقف، وهكذا يجب أن نكون برفض ممارسة الليبرالية المشوهة حين هيمنت بظلالها على أرواح "ربيعنا"، فتناسوا الحرية حين خرجت من الشأن الخاص إلى العام... فلننتبه.