● ما دور المركز الذي ترأسه في التقريب بين الأديان؟

Ad

- نحن في أميركا نطلق عليه اسمين: بيت الأديان أو مركز المصالحة بين الأديان، وكلمة المصالحة من وجهة نظري أعمق وأكثر دلالة عن التقريب لأننا بالفعل وصلنا مع منتصف القرن العشرين إلى مرحلة حرجة في علاقة أتباع الديانات المختلفة بعضهم ببعض، حيث ساد الخلاف والتعصب وهو ما أوصلنا في النهاية إلى تلك المرحلة الحرجة من العلاقات بين الشرق والغرب، ويقوم المعهد أساسا على دفع العلاقات بين أتباع الديانات المختلفة ونحن نعمل في المركز على إعداد الدراسات والأبحاث والعمل على بناء مجتمع عالمي يقبل التعدد الديني ولا نكتفي بوضع أبحاثنا في الأدراج كما يفعل الآخرون، لكننا نعمل بشتى السبل على توصيل نتائج دراساتنا إلى كل دول العالم بلا استثناء، ونعمل على التواصل مع الجامعات العالمية وكذلك مع مراكز الحوار وحتى مع صانعي القرار في كل حكومات العالم، خاصة تلك التي توجد في مناطق ساخنة، وقد بدأنا مؤخرا في العمل على تذويب التوتر الذي يسود العلاقة بين الأميركيين غير المسلمين والمسلمين سواء كانوا يحملون الجنسية الأميركية أم مهاجرين من الدول الإسلامية، والحقيقة أننا وجدنا تجاوبا مدهشا من المسلمين الذين توقعنا أن يرفضوا فكرة الاندماج في المجتمع الأميركي، لكننا على العكس وجدناهم متجاوبين للغاية معنا وقد اكتشفت من واقع خبرتي أن المسلم يحرص دوما على العمل على إثبات عظمة الدين الذي يدين به وليس هو ذلك الإنسان الذي يعشق العنف وسفك الدماء كما يروج كثيرون.   

● كيف ترى العلاقة بين الأديان السماوية في ظل إيمانك بضرورة وجود مصالحة بينها؟

- الواقع الديني يؤكد أن الأديان السماوية انطلقت كلها من حقيقة واحدة هي أن الله واحد وأن البشر خلقوا لتعمير الكون ولكي يتعارفوا، هكذا قال القرآن والتوراة والإنجيل، لكن أتباع الديانات السماوية اختلفوا في ما بينهم على التفسير، وهو ما أدى إلى ظهور تلك النزاعات والصراعات التي وصلت إلى حد الصراع الذي ارتدى ثوب الدين وهو لا علاقة له بالدين، وهكذا ظهرت الحروب الصليبية التي رفعت الصليب شعارا لها رغم أنها كانت حروباً ذات مغزى اقتصادى وسياسي وأطماع استعمارية لا علاقة لها بالدين، وهكذا أيضا ظهرت جماعات التطرف التي رفعت شعار الإسلام وهي لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو من بعيد، والغريب أن كبار علماء الدين الإسلامي يقبلون الآخر ويتحاورون معه، بينما نفاجأ ببعض من لا علم لهم يتزعمون القتال ضد غير المسلمين، ولم يتوقف التطرف على المسيحية والإسلام فقط بل اليهودية أيضا عرفت التطرف الشديد ويتمثل ذلك في ما يحدث في الأراضي الفلسطينية باسم اليهودية، فالشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع حملة إبادة يرفع فيها الجيش الإسرائيلي شعارات دينية في محاولة لإكساب لغة الدم الشرعية اللازمة.   

● وماذا نفعل من أجل سد هذه الفجوة الكبيرة بيننا جميعا؟

- لا بد من العمل على تضييق الهوة وإزالة سوء الفهم بين الجماهير، ليس على مستوى النخبة المثقفة فحسب، ولابد أن ندرك جميعا أن إزالة سوء الفهم أمر يعتبر مهماً للسلام العالمي والقراءة المتأنية في التراث الديني الإسلامي والمسيحي واليهودي يثبت أن بينها الكثير من القواسم المشتركة، لذا فمن المهم عرض هذه الروابط بحيث تصل إلى المواطن البسيط في كل مجتمعات العالم أيا كانت ديانته إسلامية أو يهودية أو مسيحية، لأن ذلك مهم للغاية ويشكل عنصرا دافعا نحو التقارب.

كذلك على القيادات السياسية العمل على تأكيد ذلك التقارب بصورة فعلية، وأنا أرى أن مجيء الرئيس أوباما قد يشكل دفعة كبيرة لمثل هذا الحوار بعد ثماني سنوات أخطأ فيها الغرب المسيحي أخطاء لا تغتفر ضد المسلمين ودينهم وعقيدتهم، فقد عملت إدارة بوش على إزكاء روح الكراهية والعداء بين مختلف أتباع الأديان السماوية، لذا فقد سبق لي أن قدمت اعتذاراً مكتوباً للعالم الإسلامي كله عما ارتكبته أميركا وأوروبا في حق الإسلام والمسلمين، وكان من دواعي الشرف لي أن أوقع على بيان الاعتذار مع مجموعة من أبرز قيادات الدين المسيحي في العالم. ومن هنا يجب على الغرب أن يطلب الصفح عما فعله بالإسلام والمسلمين.

● بما أنّكم من المتخصّصين بصورة أساسية في دراسات الأديان كيف تنظرون إلى واقع الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الغربية؟‏

- في البداية لابد من توضيح المعنى المقصود بمصطلح الدراسات الإسلامية، لأنّ هذا المصطلح واسع جدّا ويحتمل الكثير من التفسيرات التي قد تعطي انطباعا معكوساً ومخالفا لما هو سائد في العالم الإسلامي. لهذا أبادر منذ البداية إلى القول إنّ ما يقصد بمصطلح العلوم الإسلامية هو الناحية اللغوية فقط أو ما يسمّى بفقه اللغة وذلك لأنّ إتقان اللغات الشرقيّة بشكل عام، وأعني بها اللغات العربية والتركية والفارسية يساعد على الاطّلاع على التراث الإسلامي عن كثب ويعتبر في نفس الوقت المفتاح الأساسي لفهم الحضارة الإسلامية المتكاملة، أمّا ما يتعلّق بدراسة الدين والعلوم الإسلامية المختلفة كالقرآن الكريم والحديث والتفسير والفقه... إلخ فإنّ ذلك جاء متأخّراً بعض الشيء وقد انتبهنا مؤخرا إلى هذا الأمر وبدأنا في الإعداد لدورات متخصصة في دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية لإدراكنا أننا من دون فهمنا للقرآن والسنة، فلن نستطيع فهم العالم الإسلام أو التقرب منه، ولابد أن يدرك الغرب فضل الحضارة الإسلامية عليه ولن يأتي ذلك إلا بدراسة القرآن والسنة والتاريخ الإنساني والإسلامي.

● برأيك ما هي العلوم العربية التي أثّرت كثيراً في تاريخ النهضة والحضارة الغربية؟

- لا نستطيع أن ننسى الفلسفة التي تأتي في المقام الأوّل وبخاصة فلسفة ابن رشد، لأنّ الغربيين تعرّفوا على هذه الفلسفة في الأندلس وكان لابن رشد تأثير كبير في تطوّر الفلسفة المسيحية في النصف الثاني من القرون الوسطى، ثمّ يأتي الطبّ في المرتبة الثانية فقد كان لكتاب ابن سينا «القانون في الطب» الذي ترجم إلى اللغة اللاتينية تأثير مباشر على الطب الأوروبي، وعن طريقه أعادت أوروبا اكتشاف جالينوس» توفي نحو 200 ميلادية» من جديد، الذي يعتبر أهمّ طبيب في العصر القديم، وبخاصة أنّ أكثر مؤلفاته التي كتبها باليونانية قد ضاعت ولولا الترجمات العربية التي وصلتنا لأعماله لما عرفنا شيئا عن جهوده وآرائه الطبية، وقد كان للأطباء العرب بصمات واضحة على مسار الطب الأوروبي وتدريسه في الجامعات الغربية التي بقي بعضها يدرّس الكتب العربية حتى منتصف القرن السابع عشر كجامعة هربون على سبيل المثال، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى الأهمية الكبيرة التي حظي بها الكتاب المنصوري لمؤلفه الرازي الطبيب والفيلسوف المعروف وإلى الكثير من الكتب الأخرى.‏

وأخيرا يأتي علم الفلك ليحتلّ المرتبة الثالثة في العلوم العربية التي أثّرت بشكل مباشر في تاريخ النهضة والحضارة الغربية،  فمنذ اختراع الطباعة في أوروبا أي منذ منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن السادس عشر، تمّت طباعة الكثير من كتب الفلك العربية بالترجمات اللاتينية، والتاريخ يؤكد لنا اهتمام المسلمين بإنشاء حضارة قيمة وكيف تميزوا بالتماسك الداخلي للمجتمع والابتعاد عن الحروب والفتن الداخلية، بالإضافة إلى وجود الأطباء والمترجمين السريان وروح الانفتاح التي تحلّى بها العرب آنذاك، والتعطّش إلى الاطّلاع على الثقافات الأخرى والابتعاد عن التعصّب والتقوقع وغير ذلك. وأعتقد أنّ هذه الأسباب مجتمعة قد ساهمت في إنشاء حضارة عربية متميّزة  أمدّت الفكر الإنساني بثمار يانعة.

● كونك أستاذاً في علم الأديان وقساً سابقاً وقرأت كثيراً عن الإسلام ما الانطباعات التي خرجت بها من تلك القراءات؟

- تيقنت بعد قراءتي الكثير من كتب التراث الإسلامي أن الدين الاسلامي عظيم ومليء بالقيم الخلقية الرفيعة والتي فيها الصفح والعفو والتسامح بشكل عام، فيقول الله في القرآن: «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» الحجر 85، وهناك عشرات الآيات الكريمة التي تدعو إلى هذه القيم الرفيعة وقد يتوهم البعض أن التسامح يأتي من ضعف أو استكانة أو استسلام وهذا توهم خاطئ ومغاير للحقيقة، فالتسامح الإسلامي ينطلق من القوة والمقدرة، والقرآن الكريم يحث على العفو والصفح والتسامح فيما بين الناس في عشرات الآيات الكريمة ولا تخلو آية كريمة تتضمن عقوبة إلا وفيها حث على العفو والصفح.

لقد وضع القرآن الكريم المبدأ العام لتعامل المسلمين مع غيرهم، وذلك من خلال قوله عز وجل «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» الممتحنة 9:8، ويستوقفني دوما وأنا أتحدث عن الإسلام ما فعله النّبي محمّد عليه الصلاة والسلام حين رفضه أهل الطائف بوحشية ورموه بالحجارة، فقد رُويَ عنه أنّه قال: «أفضل الفضائل أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتصفح عمّن ظلمك»، وهي مقولة تؤكد أن النبي كان يبشر لدين عظيم يحث أتباعه على السلام وإشاعة الأمن والطمأنينة في نفوس كل من يحيط بهم.

● نسمع حاليا في العالم الإسلامي الكثير من الرؤي المحايدة عن الإسلام فلماذا لا تنتشر تلك الرؤى على مستوى المواطن البسيط أو تظهر في القرار السياسي لدول الغرب؟

- نحن نعمل بالفعل على التعريف بالإسلام الحقيقي إلى المواطن الأميركي البسيط الذي يجهل الكثير عن الإسلام، وذلك من خلال القادة المحليين ومن خلال المؤتمرات والحفلات التي يشارك فيها القادة الدينيون المسلمون، ولكن لابد أن يفهم المسلمون أن الأكاديميين المحايدين وكذلك المستشرقين ليسوا جماعة سياسية كذلك لا يملكون في يدهم أي قرار سياسي ونحن نحاول التأثير فيمن يملك القرار ولكن هذا لا يعني أننا نؤثر في كل الأحوال.

● كيف ترى التغطية الإعلامية الأميركية للأخبار المتعلقة بالإسلام والمسلمين؟  

- للأسف الشديد فإن صورة المسلمين في الوسائل الإعلامية الأميركية المقروءة والمسموعة والمرئية سلبية في أغلب الأحيان، مع وجود بعض التغطيات غير المتحيزة أحيانا، لكنها قليلة قياساً بالصورة غير الصحيحة عن المسلمين السائدة في الإعلام الغربي بشكل عام  نتيجة المعالجات المغرضة، فوقوع بعض الأحداث المرتبطة بالمسلمين عموماً تزيد فيها المعالجة غير الموضوعية سواء كانت هذه الأحداث متعلقة بالأقليات الإسلامية في القارة أو في بعض الدول العربية والإسلامية، أما الأوصاف النمطية التي يتم عرضها عن المسلمين عموماً فهي على شاكلة أنهم يتبنون التطرف والعنف والجهاد وتعدد الزوجات ونبذ العلمانية

ورفض الاندماج، لكن هذا لا يعني عدم وجود من ينصف الإسلام ويحاول أن يقدم صورة حقيقية له، ومن هنا علينا جميعا الاستفادة من الأصوات المحايدة والعمل على تشجيعها ودعمها من أجل توصيل المعلومة الحقيقية عن الإسلام السمح إلى المواطن الغربي البسيط، وبذلك نعمل على ترسيخ قيم الحب والمودة والسلام بين الغرب والشرق.