حرب العراق... مهمة مبتورة
حين كان أوباما يقود حملة الترشح الانتخابية للرئاسة في مايو 2008، بدت حرب العراق مهمة جداً في نظر 58 في المئة من الأميركيين، لكن حدة القلق إزاء الحرب تراجعت منذ أغسطس 2008 حين بدأ النظام المالي في الولايات المتحدة يتدهور، وأصبحت حدة الركود أكثر وضوحاً.
حين ترشح باراك أوباما للرئاسة، تميز بآرائه عن الحرب في العراق. فقد عارضها منذ البداية، لذا راح يذكّر ناخبيه على الدوام بذلك، بخلاف منافسته الرئيسية المرشحة كذلك عن الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون. كان عازماً على سحب غالبية القوات الأميركية من البلاد في غضون الأشهر الستة عشر التي ستعقب توليه الرئاسة، وذلك بخلاف معارضه الجمهوري، جون ماكين، الذي تحدث عن إبقاء القوات الأميركية في العراق مدة 100 عام. ساهم كل ذلك إلى حد كبير في تعزيز جاذبية أوباما أمام الناخبين الذين سئموا القتال وأقلقتهم طريقة تعاطي جورج بوش معه. لذا كان يفترض أن يمثل إعلان أوباما إيفاءه بوعده (بعد تأخره نحو ثلاثة أشهر)، و"انتهاء المهمة القتالية في العراق" في خطاب ألقاه من المكتب البيضاوي في 31 أغسطس، لحظة انتصار بالنسبة إلى الرئيس وتنفس صعداء للشعب الأميركي. لكن الخطاب في المقابل كان محبطاً، ورد الفعل الشعبي مكبوتاً.بدا أوباما، إلى حد ما، مصمماً فحسب على تفادي تكرار أخطاء بوش الذي جعل من نفسه أضحوكة دائمة لقفزه بفرح من طائرة مقاتلة مرتدياً بزة طيران أمام لافتة كُتب عليها "المهمة أُنجزت"، في وقت بدأ فيه العراق ينجرف إلى دوامة تمرد دموية. لكن أوباما سرعان ما أقر بأن السياسة العراقية غارقة في الفوضى وأن "المتطرفين سيواصلون تفجير القنابل".
من غير المجدي أن يكون الانسحاب الأميركي جزئياً فحسب، إذ سيبقى في العراق نحو 50 ألف جندي. نظرياً، تقضي مهمة هؤلاء الرئيسية بتدريب قوات الأمن العراقية، لكنهم عملياً سيواصلون تنفيذ بعض العمليات القتالية، ضمن إطار ما سماه أوباما "مهام محددة الهدف لمكافحة الإرهاب"، لذا قد لا تكون نهاية الحرب جلية للمواطنين الأميركيين، بالرغم من تغيير اسم المهمة من "عملية تحرير العراق" إلى "عملية الفجر الجديد". وبحسب رأي كين غود من "مركز التقدم الأميركي"، المتخصص في البحوث، فإن "خمسين ألف جندي ليس بالعدد الضئيل".فضلاً عن ذلك، همد تأثير إعلان أوباما أكثر فأكثر بسبب تصعيده جهود الولايات المتحدة العسكرية في أفغانستان بالتزامن مع سحبه القوات من العراق. في هذا الإطار، أقر الرئيس بأنه بعد مضي نحو عشر سنوات على الحرب في أفغانستان، "يطرح بعض الأميركيين على نحو مُبرر أسئلة صعبة حول مهمتنا هناك". ذلك يعني ضمناً أنه بالرغم من محاولته التمييز بين "الحرب الغبية" في العراق وتلك الذكية في أفغانستان، يعتبر الأميركيون على ما يبدو أن التورط في الأخيرة كان أيضاً خطأً ويبدون تشاؤمهم حيال فرص نجاحها. من جهته، يقول جاستان روفن من مجموعة الضغط اليسارية، MoveOn.Org، التي تعارض كلتا الحربين، إن أعضاءه "تنتابهم هواجس متنامية بشأن ما يبدو مأزقاً في أفغانستان". من جانب آخر، كرّر أوباما في خطابه وعده ببدء خفض عدد الجنود في أفغانستان بحلول يوليو المقبل، وسحب كل القوات الأميركية من العراق مع نهاية عام 2011. لكن الأميركيين اليوم لا يثقون بأوباما وزملائه الديمقراطيين أكثر منه بالجمهوريين في مسألة العراق، وذلك وفق ما توصلت إليه شركة "راسموسين ريبروتز" للاستطلاع. يُذكَر أن هذا الموقف يختلف تماماً عن ذلك الذي كان سائداً منذ بضع سنوات فقط. في هذا السياق، يحذّر سكوت راسموسين، رئيس الشركة، من أن هذه النتيجة قد تكون بكل بساطة انعكاساً لميل أوسع تجاه الجمهوريين، وليس لتغيّر في الآراء حول حرب العراق بحد ذاتها. لكن ذلك لا يعزي المرشحين الديمقراطيين الذين يواجهون سباقات محفوفة بالمصاعب في انتخابات منتصف الولاية في نوفمبر. في المقابل، يجادل روفن من مجموعة MoveOn.org بأنه لو لم يف أوباما بوعده بسحب القوات من العراق، لواجه وزملاؤه الديمقراطيون مشاكل أكبر من تلك الراهنة. مع ذلك، يقر بأن زخم بعض الناشطين الديمقراطيين همد بسبب حماسة أوباما تجاه الحرب في أفغانستان التي سترخي بثقلها على الأرجح على المشاركة الانتخابية وجمع الأموال. لكن باعتقاده، لن يصوت كثير من الناس، سواءً من اليسار أو اليمين، في انتخابات نصف الولاية استناداً إلى آرائهم حول الحربين، بل الاقتصاد هو الذي سيحفّزهم. لا شك في أن أميركيين كثيرين فقدوا اهتمامهم في كلا الحربين، إذ صنّف مثلاً 40 في المئة منهم فقط الحرب في العراق "في غاية الأهمية" في إحصاء أجرته "شركة راسموسين" الشهر الفائت، في حين اعتبر 41 في المئة فقط الحرب في أفغانستان مهمة جداً، مقارنةً بـ85 في المئة أعطوا الأهمية الكبرى للاقتصاد. في المقابل، حين كان أوباما يقود حملة الترشح الانتخابية للرئاسة في مايو 2008، بدت حرب العراق في غاية الأهمية في نظر 58 في المئة من الأميركيين. لكن وفقاً لراسموسين، تراجعت حدة القلق إزاء الحرب منذ أغسطس 2008 حين بدأ النظام المالي في الولايات المتحدة يتدهور وأصبحت حدة الركود أكثر وضوحاً. عندئذ هبطت الحرب في العراق إلى المركز العاشر في قائمة أولويات إلى الناخبين، وجاءت بعد مسائل كالهجرة والتعليم و"أخلاقيات الحكومة"، حسبما كشفت شركة الاستطلاع.فضلاً عن ذلك، يقول غرود: "لم تعد حرب العراق محفز السياسة الأميركية". وقد لفت أوباما نفسه ضمناً إلى الأمر عينه حين انتقل في منتصف خطابه من الحديث عن الحربين إلى حالة الاقتصاد. أعلن آنذاك: "تقضي مهمّتنا العاجلة بإنعاش اقتصادنا، وإعادة ملايين الأميركيين الذين خسروا وظائفهم إلى العمل"، مضيفاً أن الانسحاب من العراق يجب أن يساعد في ذلك عبر تحرير الأموال التي كانت تُنفق في السابق على الحرب.اتّضحت الأهمية السياسية للاهتمام الشعبي المتضائل بالعراق وأفغانستان حين شعر الرئيس بوجوب إثارة مسألة حالة الاقتصاد المتردية في خطاب يتمحور حول نجاحاته العسكرية. قد لا تكلف الحربان الديمقراطيان الكثير من الأصوات، لكنهما لن تقللا من الدعم الذي سيحظى به الجمهوريون أو تشكلا محفزاً لليسار كما فعلتا في الانتخابات الماضية. لا شك إذن في أن أحد أكثر مواضيع الديمقراطيين فعاليةً فقدت تأثيرها، لذا لم يتبق لهؤلاء الكثير من المواضيع المثيرة للاهتمام لمناقشتها في سياق الحملة الانتخابية.