لم تكُن عملية الخليل، التي قُتل فيها إسرائيليان وجاءت قبل لقاءات واشنطن وانطلاق المفاوضات المباشرة، ابنة ساعتها، فعملية كهذه وفقاً للظروف الأمنية في الضفة الغربية تحتاج إلى توقيت مسبق وإعداد قبل شهور لا أسابيع، كما أنها تحتاج إلى جهد أكثر من جهد تنظيم بعينه، بغض النظر عن إمكانات هذا التنظيم، إن على المستوى الاستخباري وإن على المستوى التمويلي وإن على مستوى التوظيف السياسي، خصوصاً في هذه الفترة بالذات.

Ad

ولهذا، فإن المسألة ليست مسألة جهاد ضد "العدو الصهيوني"، ولو أن الهدف هو هذا الهدف فقط، فلماذا كان انضباط غزة تحت حكم "حماس" بوقف إطلاق النار أكثرَ من انضباط رام الله تحت حكم السلطة الوطنية ربما بألف مرة، ولماذا كانت لـ"الجهاد" في الضفة الغربية كل هذه الغَفْوة الطويلة التي لم تستيقظ منها إلَّا بعد أن شُدَّت الرحال لكل هذا الذي جرى ويجري في واشنطن.

إن ما بات معروفاً، وليس في حاجة إلى المزيد من الأدلة والبراهين والإيضاحات، هو أن "حماس" قد دأبت مبكراً بعد عودة ياسر عرفات ومن معه من رحلة المنافي الطويلة إلى الإثبات للإسرائيليين والأميركيين وكلِّ من يهمه الأمر، أن السلطة الوطنية "فتح" ومنظمة التحرير والتنظيمات المتحالفة معهما، غير قادرة على الوفاء بالتعهدات الأمنية المترتبة على الاتفاقات التي وقعتها أو تفاهمت عليها مع إسرائيل إن في أوسلو أو بعد ذلك، وبالتالي فإنها غير مؤهلة لتكون طرفاً في تسوية يشكل الأمن عمودها الرئيسي، خصوصاً بالنسبة إلى الدولة الإسرائيلية.

لقد بدأت "حماس" عملية إظهار عجز السلطة الفلسطينية عن الوفاء بتعهداتها الأمنية المترتبة على اتفاقات أوسلو وما تبعها من ترتيبات وتفاهمات منذ عودة ياسر عرفات ومن معه إلى غزة والضفة الغربية، وحقيقة أنها، أي "حماس"، قد أظهرت قدرة فائقة في تحقيق هذا الهدف، مستغلةً ترهل السلطة الفلسطينية وسوء إدارتها، ومستغلةً أيضاً ما قام به الإسرائيليون لإفراغ عملية السلام من أي مضمون يمكن البناء عليه وإيصالها إلى هذا الوضع البائس الذي وصلت إليه.

وهكذا، فإن لعملية الخليل هذه الآنفة الذكر، وكذلك عملية شرقي رام الله التي تبعتها خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، وظيفتين هما:

الأولى، إظهار عجز السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على الالتزام بأي تعهد أمني، والثانية إفهام الأميركيين والإسرائيليين أن الذي يملك قرار الحرب والسلام في هذه المنطقة هو تحالف "فسطاط الممانعة" الذي تقوده إيران، لا تيار ما يسمى دول الاعتدال العربية.