الطريق الدائري... ارتباك في فيلم طموح
لفت الفيلم الروائي الطويل «الطريق الدائري» الأنظار في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» الأخير، وهو الأول لمخرجه وكاتبه تامر عزت الذي سبق أن قدم أفلاماً قصيرة أثارت نقاشاً جاداً بين النقاد ومتذوّقي السينما.من الواضح في «الطريق الدائري» روح مخرجه الفنية وطموحه ورغبته في صناعة فيلم سينمائي يتميّز بالتجديد والمغامرة والجدية، لذا استحقّ احترام المشاهدين، لا سيما أنه نجح في السيطرة على العناصر الفنية في الفيلم من تصوير وإضاءة وقّعهما شريف هلال إلى موسيقى تامر كروان، كل منهما موهوب في مجاله، بلوغاً إلى مغامرة أخرى في محلها هي أداء نضال الشافعي دور البطولة للمرة الأولى، فأثبت أن الموهبة على قدر المهمة وأنه يتمتع بمقدرة وكفاءة في أداء دور صعب بتوفيق ودقة إلى جانب بقية الممثلين، خصوصاً فيدرا (أو فرح) وسامية أسعد والنجم عبد العزيز مخيون في دور قصير لكن مؤثر.
إلا أن الارتباك شاب السيناريو، على رغم حسن النية في الفيلم. في البداية، نحن أمام عصام (نضال الشافعي)، الصحافي الشريف المقاوم للفساد ويندرج ضمن كتيبة الشرفاء المقاومين في المجتمع الذين قدمتهم السينما المصرية منذ بروز انحرافات ما يسمى بـ «سياسة الانفتاح الاقتصادي» في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي لغاية اليوم، إذ رأينا الضابط الشريف (عزت العلايلي) في «أهل القمة» (1981) إخراج علي بدرخان عن قصة نجيب محفوظ، البطل الشريف (عادل إمام) في «الغول» (1982)، إخراج سمير سيف وتأليف وحيد حامد، كان صحافياً أيضاً وواجه حوتاً آخر من حيتان الانفتاح والنهب من دون وازع أو رادع. الأمثلة كثيرة في السينما المصرية، لكن قد تختلف المعالجة الدرامية أو مصائر الأبطال...يعاني الصحافي عصام في «الطريق الدائري» من مشكلة تمسك بخناقه هو وزوجته الشابة (أداء بسيط ومرهف للممثلة سامية أسعد) تكمن في إصابة طفلتهما الوحيدة بفشل كلوي وحاجتها الماسة إلى إجراء جراحة عاجلة (زرع كلى)، إنما كلفتها عالية. أما المفسد (أو الغول) هذه المرة فهو رجل الأعمال وصاحب مصانع الأدوية المعروف رفعت رضوان (مخيون)، الذي تحيلنا شخصيته فوراً إلى قضية أكياس الدم الفاسد المعروفة، التي ارتبطت برجل الأعمال الدكتور هاني سرور.يقاوم الصحافي عصام عبر مهنته وتحقيقاته الصحافية، في جريدته «الحقيقة»، انحرافات وجرائم من بينها مسألة الفلاتر الطبية التي تسبّب الوفاة لمرضى الفشل الكلوي، ما يزعج رجل الأعمال رفعت ورجاله ويروحون يبحثون عن حلّ لإيقافه، فيدسون في حياته «أميرة» (فيدرا التي أتقنت دورها) وتنسج معه قصة حبّ بالتدريج. يبدو للجمهور أن كلاً منهما عايش القصة بصدق، قبل أن نعرف الخديعة لاحقاً، إلا أن الفيلم يستدرك أن مشاعر أميرة نحو عصام تحولت فعلاً إلى هذا الإحساس الصادق، بعدما بدأت بهدف الإيقاع به وتصويرهما على نحو يسيء إلى الرجل المتزوج.أحد غرائب الفيلم هنا أن أميرة قدمت نفسها لعصام باعتبارها زوجة يسافر زوجها شهرين ويعود لمدة أسبوعين، بينما يتضح في النهاية أنها مطلقة، وكانت الحقيقة هنا أسهل للإيقاع بعصام حتى كرجل شريف، يفترض فيه التردد قبل خيانة زوجته.أحد أخطاء الفيلم، تلك المغامرات المبالغ فيها والتقليدية للغاية والتي لا تليق بفيلم يحاول صاحبه تجديداً، نعني اقتحام عصام شركة رجل الأعمال وخوض معارك مفتعلة مع رجاله الأشداء ووصول عصام إلى رجل الأعمال نفسه وإجباره، تحت التهديد، بدفع مليون جنيه للحصول على تكاليف الجراحة لابنته (حوالى 200 ألف جنيه) وعندما يسأله رفعت: «لماذا باقي المليون؟» يجيبه: «لا أعرف».فهل قرر عزت فجأة أن يحوّل بطله من رجل شريف إلى رجل حائر بين الطريق الشريف وبين أن يحيد عنه، ليس تحت ضغط عملية طفلته فحسب، إنما لتلبية احتياجات أخرى؟لذلك قلنا إنه فيلم حسن النية، لكنه أصيب مراراً «بارتباك شديد».