يؤكد خبراء القانون الدولي المكانة الفريدة التي تشغلها الأمم المتحدة كمنظومة دولية ومجلس الأمن بوصفه الجهاز الوحيد القادر على إصدار قرارات ملزمة دوليا، وبالرغم من تأرجح التوصيات تبعا للمناخ السياسي الغالب, فإننا كدول عربية مازلنا في مرحلة الاستغراق في الأمنيات والآمال تجاه المؤسسات الدولية، ونبتعد عن مسؤولية القرارات المتخذة.

Ad

وبنظرة سريعة إلى التاريخ الحديث «لبيت الأمم» نلاحظ أن انتهاء الحرب الباردة وحقبة صراع الأقطاب أحدث تحولا في الأفكار والمتطلبات والمواقف، واليوم نجد أنفسنا خاضعين لأجندة إقليمية، بل مثقلة بالقضايا الدولية والإقليمية، وأصبحت مهارات «التسويق السياسي» للقضايا سيدة الموقف، وخير مثال على ذلك نجاح الجهود لدعم التحالف الدولي لإنقاذ شعب الصومال في عام 1992 وتعثر الجهود لإنقاذ رواندا، وإيقاف المجازر عام 1994.

واليوم وفي ظل الاجتماع الخامس والستين، يراهن الجميع على تحويل انتباه المجتمع الدولي، إلى قضيته، فالاتحاد الأوروبي الذي كان منشغلا في الماضي بالتباين بين مواقف بعض الأعضاء، كالمملكة المتحدة وفرنسا «ذات المبادئ الديغولية»، فواجه في الماضي تحديا لبيئة السياسات الأوروبية الخارجية، ويسعى اليوم عبر حكوماته للاستعانة بسياسة مشتركة للالتفات إلى الاقتصاد وتنفيذ السياسة الصناعية وتشجيع الإبداع والقدرة على الابتكار، وتشعر المفوضية الأوروبية أنها عادت إلى القيادة بعد فترة التعايش بين حلول الأزمة المالية العالمية ونموالأسواق الناشئة وانسجام السياسة الصناعية المنشودة وقوانين إعادة الهيكلة الصناعية.

أما الدول العربية، فقد ساد الشعور في أثناء التوجه إلى القمم أنها قمم للهموم المشتركة، وأن الجميع سيشكو تحت مظلة بيت الأمم, وتبقى قضية فلسطين، قضية السلام، التي أصبح من الصعب تتبع ملامح الدورة الأخيرة من المفاوضات التي انطلقت في الثاني من سبتمبر في واشنطن، حيث تواجه المفاوضات حكومة إسرائيلية ذات أحزاب قومية محافظة ودينية, وعلى الطرف الآخر تحالف فلسطيني هش وموقف عربي صامت، القضية الأهم... واليوم تأمل إدارة أوباما بفرصة لتغيير القوى المحركة في المنطقة، وتلقى قبولاً ودعماً من العديد من الدول العربية بضرورة تقليص المناخ الذي يغذي الأصوليين.

أما دول الخليج فقد خرجت العام الماضي بخطاب سياسي تنموي جديد, ومن المتوقع أن يستمر النهج هذا العام أيضا، فالإمارات في العام الماضي استعرضت اعتزازها باختيار المجتمع الدولي لها مقرا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة, وفخرها بإنشاء مدينة خالية من الكربون والنفايات، وهي مدينة «مصدر» في أبوظبي, التي تعتمد على الطاقة المتجددة ودولة قطر اختارت اقتصادات البترول محورا لخطابها، وعبرت عن رغبتها في أن يشاركها العالم في وضع تصور لخطط مستقبلية لاستخدام الموارد الهيدروكربونية، خصوصا بعد وصولها إلى المرتبة الثالثة عالميا من حيث حجم احتياطيات الغاز الطبيعي المسال، وأعلنت تمسكها بمعايير التنمية المستدامة والحرص على تصدير الغاز بشكل لا يشكل ضررا للبيئة، والكويت طالبت بإدخال التحسينات على النظام التجاري الدولي لمجابهة التحديات التي تواجهها الأمم المتحدة، وبانتظار آمال وتطلعات الدول في بيت الأمم هذا العام، وللحديث بقية.

كلمة أخيرة: يسألني بعض الزملاء عن رأيي في تجنيس «فلان» وسحب الجنسية من «علان»، فأقول لهم، شأن الجنسية ووثائق الهوية كان ومازال، شأن وزارة الداخلية، وأتمنى أن يبقى كذلك!