ارتبط الإصلاح السياسي تاريخيا في الكويت بحركة المجالس الاستشارية التي احتوت على أعيان البلد كنخبة سياسية واقتصادية، وبفكر الجماعات الوطنية التي اتخذت من أسلوب المشورة وتقديم العرائض وسيلة للمطالبة بالإصلاح السياسي وسعة صدر الحاكم.
واستمرت روح التجديد في التاريخ السياسي، ولم تخل الحياة يوما من الخلافات ولكن أيضا لم تخل من الروح القيادية والالتزام بالحوار سواء لدى الحاكم أو المحكوم، وكانت دوافع الإصلاح والرغبة في التطوير متأثرة بالحراك الثقافي الناتج عن انفتاح الكويت على الدول العربية بمفكريها ووسائل إعلامها من إذاعة ومجلات وكتب وبعثات دراسية، ولم تخل عملية كتابة الدستور من ذلك المؤثر الثقافي والروح القيادية الداعمة للحوار التي امتاز بها المغفور له الشيخ عبدالله السالم، فاكتمل الدستور الذي بلغ الثمانية والأربعين عاما من عمره قبل عدة أيام كوثيقة استهدفت تحديد ملامح السلطة السياسية، عبر توضيح العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتميزت أمام غيرها من الوثائق والدساتير بدول العالم النامي بالبنود والمواد الخاصة بالحريات وحقوق المواطنين والأحكام الخاصة، واحتفظت الوثيقة "بجمودها" أمام التعديل والتنقيح ومرونة موادها أمام التطوير.ولو انتقلنا إلى فترة السبعينيات وتابعنا التغيرات في ملامح السياسة المحلية لاسترجعنا حلقات "مسلسل" أزمات الحوار الحكومي البرلماني آنذاك، والتي كانت عبارة عن سيناريوهات من ضياع الوقت في المناقشات البرلمانية الجانبية إلى جانب التأثر بالأوضاع السياسية في منطقة الخليج، وانعدام التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وفي ما يخص السلوك البرلماني كان موضوع استغلال أعضاء المجلس مناصبهم لتسهيل مصالح البعض على حساب المصلحة العامة يشكل أزمة وأمرا مرفوضا اجتماعيا وسياسيا، أما اليوم فقد أصبح أمرا يفخر به النائب، أما المحور الإعلامي وهو تجاوز بعض الصحف قانون المطبوعات فاستمر حتى اليوم في ظل عدم تكيفنا مع عولمة الإعلام، ولم تقف مواد الدستور عائقا أمام أي من الأطراف.واليوم وفي ظل المتغيرات وانتقال العمل السياسي التنفيذي من التكتلات السياسية المعروفة إلى الكتل البرلمانية الناشئة، وفي ظل عولمة الإعلام وانتشار الصحف والمواقع الإلكترونية ينبغي أن نطبق المواد بمرونة لمواكبة العولمة، فمواده تتسم بالمرونة لو طبقت بشكل صحيح ومتكامل. وقد يرى البعض مواد باللائحة الداخلية خاصة بالممارسة الإعلامية، كالمادة 182، تفتقر إلى عولمة الإعلام والتحديث، ولكن أعتقد أن التطبيق المرن، أي الالتزام بروح القانون والمادة والتطبيق بما يتماشى مع الحداثة كفيل بتحديث التطبيق.أقول ذلك بعد ارتفاع أصوات في ذكرى كتابة الدستور، تنادي بالتعديل قبل القراءة الجيدة، وأصوات أخرى رافضة للتعديل قبل سماع الرأي الآخر، وقبل أن يجرنا الأمر إلى أزمة حوار شعبية... أنتهز الفرصة لأدعو المهتمين إلى إشراك الأقسام العلمية الأكاديمية من اقتصاد وسياسة وحقوق في قراءة مواد الدستور، بالإضافة إلى المراكز البحثية "المنسية"، فدعونا نعيد اكتشاف المواد التي تحتوي على الكثير من الحريات والتي لم نفعلها، والضوابط حول سلوكيات أعضاء البرلمان والتي لم نطبقها!!كلمة أخيرة: استضافت مدينة أبوظبي عاصمة الرياضة سباق الفورمولا هذا العام، وأثبتت أن للرياضة والإدارة الجيدة أثرين إيجابيين في تعزيز "الجاذبية السياحية" الخليجية والأجنبية معا... وأجمل ما في السباق هو الحرص على تعليم الأطفال والشباب أسس الأمن والسلامة في التعامل مع المركبات السريعة، واختلافها عن السيارات الاعتيادية، وأتمنى أن توجه الدعوة في العام القادم إلى مرتادي شارع "الرعب" هنا، والذي أصبح مركزا لتجمع الاستهتار بقوانين المرور أمام أعين مسؤولي سلامة الطرق والمواطنين! وكلمة أخرى: "على الصحافة أن تكون أمينة في نقل وتلخيص جلسات المجلس ويحق لكل عضو أن يطلب تصحيح الأخطاء بكتاب خطي يرسله الرئيس إلى الصحف التي شوهت الوقائع، وعليها أن تنشر الكتاب في أول عدد دون تعليق ولا يمنع هذا من إقامة الدعوى العمومية". (مادة 182) الباب الرابع، الأحكام العامة من اللائحة الداخلية.
مقالات
الدستور بين المرونة والجمود
16-11-2010