لم يوفق مجلس الأمة في التوصية التي أقرها بعد جلسة مناقشة قضية تعذيب المواطن محمد الميموني بأغلبية 40 نائبا بوقف أربعة قياديين في وزارة الداخلية عن العمل وإحالتهم إلى النيابة العامة، للتحقيق معهم بشأن مسؤوليتهم الجنائية عن واقعة تعذيب المواطن الميموني، رغم أن هذا التصرف يعد دخيلا على العمل البرلماني ويخالف المادة 50 من الدستور، والتي تؤكد عدم تدخل أي سلطة باختصاصات السلطات الأخرى.

Ad

لكن المجلس الموقر خالف للأسف نصوص الدستور ونصب نفسه مكان السلطة القضائية وقرر إحالة المشتبه فيهم كيف ما يعتقد، رغم انتهاء النيابة العامة من التحقيق والتصرف في قضية تعذيب المواطن الميموني، وقررت إحالة جميع المتهمين في القضية إلى محكمة الجنايات، التي أرجأت النظر فيها إلى أواخر أبريل الجاري.

لم يكتفِ مجلس الأمة بإنشاء لجنة التحقيق المخالفة للدستور برأيي والتي كان يتعين عليها الاكتفاء بالتحقيقات التي تجريها النيابة العامة، إلا أن المجلس الموقر وعلى الرغم من إحالة النيابة العامة القضية في منتصف فبراير الماضي إلى محكمة الجنايات والتحقيق فيها ليل نهار وتخصيص وكيلي نيابة لم يتركا شاردة وواردة إلا تناولاها، لكن المجلس لم يعجبه قرار النائب العام بإحالة شكل ونوع المتهمين إلى محكمة الجنايات بل رأى أنه يتعين إحالة شكل ونوع آخر من المتهمين إلى محكمة الجنايات.

ورغم استيفاء النيابة العامة تحقيقاتها بكل جوانب القضية، حتى انها استدعت أحد الأشخاص الذي أوصى المجلس بإحالته إلى النيابة العامة وهو العقيد عادل الحمدان، وأجرت معه التحقيقات تمهيدا لاتهامه، فإنها انتهت بعد سماعها لأقوال المتهمين والشهود والمجني عليهم إلى عدم مسؤوليته الجنائية هو ومدير عام الإدارة العامة للمباحث الجنائية اللواء علي اليوسف، وبالتالي فما الفائدة من إحالته مجددا... هل للتاريخ مثلا؟!

قرار مجلس الأمة وتوصيته المنقلبة على الدستور وعلى اختصاصات السلطة القضائية لن تنفع سوى المتهمين الحاليين في قضية تعذيب المواطن الميموني حتى الموت، لأنه من المنطقي أن يطلب الدفاع عنهم إعادة القضية مرة أخرى إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات فيها لأن النيابة العامة لم تنته من التحقيق في القضية، ولم تظهر بعد حقيقة الواقعة ومعرفة الجاني، وذلك لأن المجلس أحال أربعة قياديين إلى النيابة العامة للتحقيق معهم لبيان مسؤوليتهم الجنائية عن واقعة قتل وتعذيب المجني عليه.

ومن المطروح أيضا أن تستجيب المحكمة لهذا الطلب الجوهري والحقيقي في الدعوى وتحيل القضية إلى النيابة العامة لتأخذ فصولا وفصولا أخرى وتنتهي إلى وجود مسؤولية إدارية على القياديين لأنهم قصروا إداريا وأهملوا وهي أمور من تخص الوزير لمحاسبة المسؤولين في وزارته، ولا سلطان للمجلس على الوزير في محاسبته لقيادييه إداريا، وإن فعلوا ذلك فقد افتأتوا على اختصاصات الوزير وخالفوا نص المادة 50 من الدستور كما عودونا دائما!

إذا استمر مجلس الأمة بنهجه دون ان يراقب ويقيم تصرفاته فلن أستبعد أن يصوت على توصية بإصدار عقوبة الحبس بحق مسؤول، وتوصية أخرى لإعدام مواطن لأنه اعتدى على قاصر، وتوصية أخرى بالعفو عن متهم ليسلب اختصاصات السلطة القضائية بعدما نجح في سلب اختصاصات الحكومة!