من الوزيرة إلى الكاشيرة!
لا يوجد في السعودية سوى امرأة واحدة بمرتبة وزير، ورغم ذلك فقد تم التعامل مع خبر تعيينها باعتباره فتحاً عظيما للمرأة السعودية، واختارتها مجلة التايم كواحدة من أهم الشخصيات في العالم، متفوقة على رؤساء دول عظمى، ولكن الحقيقة المرة أن السيدة نورة الفايز نائبة وزيرة التربية والتعليم حين مارست صلاحيتها وزارت مدرسة للبنين (بعد إفراغها من الطلبة والمدرسين) قامت الدنيا ولم تقعد، واستنفر المتشددون لمهاجمتها على شبكة الإنترنت، واعتبروا أن ما قامت به اختلاطا محرما!
ولا يوجد في السعودية كاشيرات في «السوبرماركت» سوى عدد محدود من النساء لا يتجاوز 80 امرأة يخدمن العائلات فقط ولا يخدمن العزاب، ومع ذلك اعتبر المتشددون وجودهن فتنة كبرى، وبذلوا كل جهد ممكن لقطع أرزاقهن بدءاً من الدعوات المتكررة لمقاطعة الشركات التي تشغلهن، وانتهاء باستصدار فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء لتحريم عمل المرأة في مجال الكاشير منعا للفتنة.وفي المسافة الهائلة بين الوزيرة والكاشيرة لا توجد فرص عمل حقيقية للمرأة السعودية باستثناء العمل في مجالي التعليم والصحة، بينما تعاني 80 في المئة من حاملات البكالوريوس والماجستير وحتى الدكتوراه البطالة، أما غير المتعلمات فليس لديهن من فرصة للحياة سوى الاعتماد على عائلاتهن أو الزواج من أي رجل يتكفل بالإنفاق عليهن أو البيع في بسطات غير نظامية تحت لهيب الشمس، أو التسول عند إشارات المرور رغم أنهن مواطنات أغنى دولة في العالم. كل ذلك يحدث كي يشعر المتشددون براحة البال ويقضوا على فتنة النساء في مهدها، خصوصا أن الأغلبية العظمى منهم يستطيعون تعيين قريباتهم في وظائف حكومية جيدة، وقريبة من البيت بفضل سيطرتهم التامة على قطاع التعليم، أما بنات الناس فعلى التي تجوع منهن التوجه إلى الجمعيات الخيرية- التي يسيطرون عليها أيضا- والتي تتكرر فضائحها المالية بشكل مستمر، حيث تتحول المليارات إلى مجرد أكياس أرز توزع بطريقة مهينة، أما من تنحرف منهن بسبب الحاجة والعوز المالي فإن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها بالمرصاد، وبحسب الإحصاءات السنوية للهيئة فإن أرقام الجرائم الأخلاقية بمئات الآلاف... ما يعني أن هذا الوضع أجبر بعض النساء على الغوص في وحل الفتنة وليس العكس.وعلى الرغم من أن نصوص الدين الحنيف حرمت الخلوة ولم تحرم الاختلاط فإن المتشددين لا يرون بأسا في خلوة الرجل مع الخادمة المنزلية (لأنها غير سعودية)، كما لا يرون بأسا في خلوة المرأة مع سائق البيت أو سائق التاكسي (لأنه غير سعودي)، ولكنهم يحرمون عمل المرأة السعودية كاشيرة في «سوبرماركت» يعج بالمتسوقين دون أي فرصة للخلوة، وبالطبع لا يحق لكم التساؤل كيف لا يعد قيام الرجل الكاشير بالتعامل مع الزبونة المرأة اختلاطا بينما يعتبر قيام المرأة الكاشيرة بالتعامل مع الزبون الرجل اختلاطا محرما ومنكرا عظيما وفتنة كبرى؟ لأن المتشددين يستهدفون المرأة بالذات ويرون أنها مصدر الخطر الأعظم ولا بد من محاصرتها بشتى السبل.في السعودية عدد لا بأس به من الجامعات الإسلامية والعشرات من مراكز البحوث الخاصة بالدراسات الإسلامية ومئات اللجان الاستشارية الإسلامية... ورغم كل ذلك فإن الدراسة الوحيدة التي قدمتها كل هذه المراكز البحثية لحل مشاكل المرأة السعودية هو أن تتحول إلى زوجة مسيار.* كاتب سعودي