في المؤتمرات البرلمانية الدولية التي كنت أحضرها كأمين عام لمجلس الأمة، وخلال الزيارات الرسمية للبرلمانات المختلفة، وكذلك من خلال استقبال الوفود البرلمانية الزائرة، كنا نلاحظ ان أعضاء الموالاة الذين يتكون منهم الحزب الحاكم يتفاخرون بأنهم موالون للحكومة، ويجاهرون في كل مناسبة أنهم مؤيدون لها ولسياساتها التي كانت مادة حملتهم الانتخابية، ويعتبرون أنفسهم أصحاب القرار في البرلمان، بل وفي الدولة... فالعضو الموالي هناك لا يخبئ رأسه أبداً ولا ينكر انتماءه ولا يخجل من انتسابه إلى الحكومة ولا يعتذر عن تأييدها وتبني سياساتها والتصويت معها، لذلك فإن تصنيف الموالاة والمعارضة هناك ظاهر لا لبس فيه ولا مواربة، أما عندنا فالأمر مختلف البتة فأعضاء الموالاة خفيِّون، لا يعلنون ذلك أبداً، بل يغضبون ويندفعون بكل قوة لنفي هذه الصفة كلما سمعوا أحداً يصفهم بها وكأنها جريمة نكراء أو فعل فاضح... كثيرا ما تساءلت وتساءل غيري عن السبب... وفي ظني أن هناك عدة أسباب لهذه الظاهرة.
أول هذه الأسباب تاريخي ويعود إلى معارضة الستينيات التي أشاعت بين الناس أن الحكومة رجس وأن الاقتراب منها خطيئة وأن الوقوف معها خيانة وبيع للضمير، حتى أصبحوا يحاربون خصومهم السياسيين بإلصاق صفة النائب الحكومي بهم.أما السبب الثاني فهو يعود إلى بعض الممارسات التي كان يقوم بها بعض النواب الموالين الذين كانوا ينتفعون من وراء مواقفهم المؤيدة حتى شاع أمرهم وفاحت ريحتهم بين الناس، فأصبحوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى جميع من يقف خلف الحكومة مؤيداً ومؤازراً.أما السبب الثالث فيعود إلى أن تاريخ العمل الحكومي يؤكد أن الحكومة كانت كثيراً ما تقطع الحبل مع مؤيديها بعد أن يعلنوا مواقفهم مما يكلفهم الكثير في الشارع، بل إن البعض خسروا مقاعدهم بسبب ذلك.أما السبب الرابع فهو يعود إلى أن الحكومة وفي كثير من الاحيان تضغط على النواب الموالين لتأييدها في بعض المواقف دون أن تجتهد في إقناعهم بسلامة موقفها وقوة حججها، مما يؤدي الى كشفهم أمام ناخبيهم أو أمام معارضيهم من نواب المعارضة.لهذا كله، فإننا ندعو الحكومة وفي غياب وجود الأحزاب الرسمية إلى أن تسعى إلى بناء قاعدة موالين مبنية على الشراكة الحقيقية والمشاورة والاحترام والإقناع، وإلا فإن بناء الموالاة سيظل ضعيف الأساس يهتز مع كل صيحة ويتناثر في كل عاصفة.● كان هناك ارتياح شعبي شبه عام من أسلوب الحكومة في معالجة الوضع الذي كاد يشعل نار الفتنة بين فئات الشعب... نتمنى أن تواصل الحكومة مواجهة الملفات الساخنة بنفس الحماسة والحزم.
أخر كلام
كلمة راس: الموالاة... متى تكشف عن رأسها؟
06-10-2010