اهتزت إنسانيتي بشدة وجُرحت، واحتقرتُ كل المنظمات العربية التي لم تتحرك بعد... نعم احتقرتُها وعلى رأسها جامعة الدول العربية، وأنا أشاهد صور الطفل السوري الدرعاوي البريء حمزة علي الخطيب، وهو مسجّى مفارقاً الحياة، وآثار جرائم البرابرة المتوحشين على جسده، بعد أن كسروا رقبة طفل في الثالثة عشرة من عمره، وقطعوا عضوه التناسلي -حسب قناة الجزيرة الفضائية- وفعلوا به ما لم يفعله أعداء الأمة من صهاينة وغيرهم.

Ad

التعامل الوحشي للأمن السوري مع أهالي درعا والبيضة وبانياس وغيرها من المدن السورية تدل على وجود نظام قمعي سيفعل بالشعب السوري جرائم لا مثيل لها في تاريخ الإنسانية، حتى لا يفقد الحكم الذي يحتكره منذ أكثر من أربعين عاماً.

تلك المشاهد المأساوية الموثقة تثير أسئلة كبيرة... إذ يجب أن نسأل جامعة الدول العربية ونبيلها العربي: بأي ذنب قُتل حمزة؟... وكيف استفرد به مرضى النظام النفسيون وجلادوه ونكّلوا به وقتلوه دون خوف أو وجل؟... هل لأنهم اطمأنوا إلى أن العرب جميعاً، وطوال أكثر من شهرين، صدقوا نكتة الجماعات المسلحة المندسة المنسوخة عن نظام القذافي، ولم يتحركوا بسببها لنجدة نساء وأطفال درعا وحمص وبانياس، والشعب السوري المحاصر من دون السماح لوسيلة إعلام مستقلة واحدة أن تغطي ما يحدث في سورية بسبب حجة النظام السوري بأنه لا يوجد في العالم وسيلة إعلام نزيهة وحيادية واحدة تستحق أن يسمح لها بالوجود في الشام؟!

ذاك السؤال سنظل نطرحه على قادتنا والجامعة العربية، وهو السؤال الذي بالتأكيد صرخت به أيضاً نساء بانياس وهن يُقتلن برصاص الأمن على «الأتوستراد»، وكذلك «الزهرة حمزة» عندما كان مسوخُ النظام يقطعون أعضاءه في ربيع العرب، الذي رعته جامعة العرب للشعب الليبي وتداعت لنصرته هناك ثم حجبته عن قلب الأمة في شام الأمويين وفيحائها!

***

أتابع منذ سنوات، وتقريباً منذ عقد من الزمان، عملية المطاردة الهزلية للصحافيين وممثلي وسائل الإعلام في مبنى مجلس الأمة الكويتي، وهي تذكرني بالرسوم المتحركة الأشهر «توم وجيري»... فهناك مطاردة للصحافيين في أروقة وممرات ومقاعد وقاعة البرلمان، لن يكون آخرها نقلهم من مكانهم الطبيعي المثبت في قاعة المجلس منذ 50 عاماً تقريباً، منها 25 عاماً في المبنى الحالي، إلى وسط الجمهور في الطابق العلوي، بل إن المطاردة مستمرة، وربما ستنتهي بالصحافيين في السرداب أمام شاشة تلفزيونية كبيرة... المطاردة بدأت بنقل مستمر لغرفة الصحافيين من موقع إلى آخر، وإخلاء المقاعد الإضافية في قاعة عبدالله السالم، لتكون حاجزاً بين النواب والصحافيين، ثم وضع السياج الحديدي في ممرات المجلس، وأخيراً وليس آخراً، قرار مكتب المجلس نقل الصحافيين إلى الطابق العلوي.

ما يحدث للصحافيين في مبنى مجلس الأمة يعكس حقيقة إيمان سكانه بما يطلقونه من خطب عن حرية التعبير والصحافة، بينما ما يريدونه فعلاً هو وسيلة ترويج ودعاية لهم لا أكثر، وكذلك طبيعة حساسية العلاقة بين الصحافيين وموظفي الأمانة العامة لمجلس الأمة التي لا أستطيع فهم أسبابها، اللهم إلا أننا مجتمعات تتحدث بمفاهيم الديمقراطية والحريات من دون أن يكون لدينا قيم حقيقية في وجداننا وثقافتنا لتلك المفاهيم، فقد تمكن مفهوم العقاب الجماعي منا عندما يخطئ أو يتجاوز فرد من جماعة ما، وهي ممارسة سائدة في المجتمعات الأبوية البدائية، كما تثبت مدى هشاشة وضعف التنظيم المهني للصحافيين الكويتيين مقارنة بالدول الديمقراطية الأخرى، والتي لو كانت متمكنة وقوية لفكر أصحاب مبنى البرلمان ألف مرة قبل أن يواصلوا مطاردتهم لرجال السلطة الرابعة في قلعة الشعب البيضاء- ولنراجع التجربة الأخيرة للصحافيين الأردنيين مع برلمانهم- ولكنني ما زلت من المؤمنين بأن جملة هذه القرارات سيأتي يوم، مهما طال الزمن، لتنسخ وتعود حقوق صاحبة الجلالة كاملة في بيت الأمة... وسيسجل التاريخ.