عودة للناصرية!
![صالح القلاب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1501783180355436200/1501783193000/1280x960.jpg)
وحقيقة، إن هناك إحساساً في مصر وربما خارجها, ولكن على نطاق محدود, بأن إزاحة مبارك بهذه الطريقة و»مرْمطته» و»مرْمطة» عهده على هذا النحو عبارة عن انقلاب ناصري ثأري قامت به القوات المسلحة لإعادة الاعتبار إلى عهد جمال عبدالناصر الذي تعرض في عهد الرئيس السادات وفي عهد خلفه لتشويه لا حدود له ولتجنيات مقصودة هدفها مسح هذا الرجل ومسح عهده, بخيره وشرِّه, من الذاكرة المصرية والذاكرة العربية. وهذا ما حصل أيضاً في تونس إذ أصبحت هناك قناعة راسخة أن الجناح, من جماعة الحبيب بورقيبة, الذي ذاق الأمرَّيْن في عهد زين العابدين بن علي والذي عاش فترة إقصاءٍ استمرت نحو ربع قرن قد بادر معتمداً على امتداداته داخل الجيش والأجهزة الأمنية إلى ركوب موجة «بوعزيزي»، وأقحم البلاد في التظاهرات وعدم الاستقرار لتوفير اللحظة المناسبة ليسدد حساباتٍ تأخر تسديدها كثيراً مع رجل أصبح ناكر جميل، أقصى أهم رجالات الدولة وانفرد بالسلطة هو وأنسباؤه وأقاربه وحوَّل تونس الخضراء إلى مزرعة خاصة له ولهم. لكن يبدو أن الأمور لن تتجه بالنسبة لمصر إلى الناصرية في نسختها الأولى، فهذه الأجيال الصاعدة, التي ركب موجتها الطامعون ونهّازوا الفرص, ترفض الالتفات إلى الخلف لأنها لا تعرف عن عبدالناصر إلّا صورة مدير استخباراته الدموي والقاتل صلاح نصر، وصور مساعديه الذين قادوا البلاد إلى هزيمة يونيو 1967 ومن بينهم المشير عبدالحكيم عامر وشمس بدران، وصورة احتلال سيناء كلها ووصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس، وهذا ينطبق أيضاً على شباب تونس الذين رغم اعترافهم لعهد «المجاهد الأكبر» بإصلاحاته العظيمة فإنهم يأخذون عليه أنه بقي يتشبث بالحكم حتى أصبح في أرذل العمر، وأنه بقي يحيط نفسه بأطواق من المتزلفين والفاسدين الذين بتجاوزاتهم فتحوا الطريق لزين العابدين بن علي ليقفز إلى مواقع السلطة في لحظة اهتزت فيها المعادلات، وليبقى يحكم حتى لحظة إطاحته بالحديد والنار ويترك المجال لأنسبائه وأقربائه ليعيثوا فساداً في البلاد وينهبوها في وضح النهار.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة