بإزاحة مصطفى الفقي من وجه وزير الخارجية المصري نبيل العربي الذي أصبح أميناً عاماً للجامعة العربية، يكون قد تم القضاء على ما تبقى من رموز العهد «البائد» عهد محمد حسني مبارك الذي استطال ثلاثين عاماً، وانتهى نهاية مأساوية عنوانها «مرْمطة» الرئيس السابق وابنيْه وزوجته وإرسالهم إلى السجون وإخضاعهم للتحقيقات المطولة وملاحقة كبار مساعديه وإرسالهم إلى المعتقلات، وهذه نهاية لم تكن متوقعة حتى في أكثر الحالات تشاؤماً وسوداوية.ولعل ما يسترعي الانتباه, بينما يجري كل هذا الاجتثاث والاقتلاع من الجذور لنظام حسني مبارك الذي يعتبر امتداداً لنظام سلفه محمد أنور السادات, أن هناك عودة إلى ثورة عام 1952 بفترتها الناصرية, وهي فترة انتهت باستكمال احتلال فلسطين كلها من البحر إلى النهر وفوقها سيناء التي تبلغ مساحتها أكثر من مساحة أربع من الدول العربية الصغيرة, والدليل هو انتخاب نبيل العربي أميناً عاماً للجامعة العربية المعروف بناصريته مثله مثل سلفه عمرو موسى الذي جددت ثورة الخامس والعشرين من يناير طموحاته ليصبح رئيساً لجمهورية مصر العربية.
وإضافة إلى هذا فإن الكاتب محمد حسنين هيكل الذي كان يُعتبر الأقرب إلى عبدالناصر والذي أصبح مستودع أسراره قد عاد, بعدما حصل كل هذا الذي حصل, إلى واجهة الأحداث عبر صفحات جريدة «الأهرام» التي كانت قلعته السياسية ومركز ثقله الرئيسي في المرحلة الناصرية، وبادر كعادته إلى طرح تصور للمرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر ضمّنه اقتراحاً, وُوجه باعتراضات كثيرة, بتشكيل إما مجلسٍ رئاسي لإدارة البلاد أو تسمية المشير حسين طنطاوي رئيساً من أجل هذه الغاية.وحقيقة، إن هناك إحساساً في مصر وربما خارجها, ولكن على نطاق محدود, بأن إزاحة مبارك بهذه الطريقة و»مرْمطته» و»مرْمطة» عهده على هذا النحو عبارة عن انقلاب ناصري ثأري قامت به القوات المسلحة لإعادة الاعتبار إلى عهد جمال عبدالناصر الذي تعرض في عهد الرئيس السادات وفي عهد خلفه لتشويه لا حدود له ولتجنيات مقصودة هدفها مسح هذا الرجل ومسح عهده, بخيره وشرِّه, من الذاكرة المصرية والذاكرة العربية.وهذا ما حصل أيضاً في تونس إذ أصبحت هناك قناعة راسخة أن الجناح, من جماعة الحبيب بورقيبة, الذي ذاق الأمرَّيْن في عهد زين العابدين بن علي والذي عاش فترة إقصاءٍ استمرت نحو ربع قرن قد بادر معتمداً على امتداداته داخل الجيش والأجهزة الأمنية إلى ركوب موجة «بوعزيزي»، وأقحم البلاد في التظاهرات وعدم الاستقرار لتوفير اللحظة المناسبة ليسدد حساباتٍ تأخر تسديدها كثيراً مع رجل أصبح ناكر جميل، أقصى أهم رجالات الدولة وانفرد بالسلطة هو وأنسباؤه وأقاربه وحوَّل تونس الخضراء إلى مزرعة خاصة له ولهم. لكن يبدو أن الأمور لن تتجه بالنسبة لمصر إلى الناصرية في نسختها الأولى، فهذه الأجيال الصاعدة, التي ركب موجتها الطامعون ونهّازوا الفرص, ترفض الالتفات إلى الخلف لأنها لا تعرف عن عبدالناصر إلّا صورة مدير استخباراته الدموي والقاتل صلاح نصر، وصور مساعديه الذين قادوا البلاد إلى هزيمة يونيو 1967 ومن بينهم المشير عبدالحكيم عامر وشمس بدران، وصورة احتلال سيناء كلها ووصول القوات الإسرائيلية إلى قناة السويس، وهذا ينطبق أيضاً على شباب تونس الذين رغم اعترافهم لعهد «المجاهد الأكبر» بإصلاحاته العظيمة فإنهم يأخذون عليه أنه بقي يتشبث بالحكم حتى أصبح في أرذل العمر، وأنه بقي يحيط نفسه بأطواق من المتزلفين والفاسدين الذين بتجاوزاتهم فتحوا الطريق لزين العابدين بن علي ليقفز إلى مواقع السلطة في لحظة اهتزت فيها المعادلات، وليبقى يحكم حتى لحظة إطاحته بالحديد والنار ويترك المجال لأنسبائه وأقربائه ليعيثوا فساداً في البلاد وينهبوها في وضح النهار.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
عودة للناصرية!
18-05-2011