كل عام وأنتم بخير... بعد أيام قلائل سيحلّ عيد الفطر «السعيد»، وربما الممارسة الدينية والاجتماعية للمناسبة ألحقت كلمة (السعيد) بعيد الفطر، أملاً بما يجب أن تكون الحال عليه خلال أيام العيد، وهذا هاجس اجتماعي رائع بتفاؤله، يجعل من السعادة والسعد صنواً للعيد.

Ad

إن القلق، ورتم الحياة السريع والمتغير، ربما يشكلان الصفتين الأكثر انطباقاً على روح العصر الذي نحيا، وهذا يطبع الكثير من الممارسات الإنسانية، بطابع يتجلى في مسلك الإنسان وموقفه تجاه نفسه، وتجاه ما يحيط به. فمع تفجر ثورة المعلومات والاتصال، وتعقّد مسالك الحياة اليومية، أصبح اطمئنان النفس غاية غالية، وصار الرضا بالحال مطمحاً يصعب تحقيقه. فالحياة الاستهلاكية المجنونة، وطغيان المظاهرتية، جعلت من حياة البعض جحيماً، وأعمت عيونهم وأفئدتهم عن رؤية ومعايشة والتمتع بسعادتهم الأقرب، لذا وجب اقتناص والتمتع بأي فرصة تدعو إلى الفرح والسعد. ومؤكد أن عيد الفطر مناسبة دينية واجتماعية تستحق أن نتحلق من حولها، ونتمتع بثمرها الطيب.

إن أحد أبرز ملامح الاحتفال بالأعياد والمناسبات الإنسانية، هو اجتماع الإنسان بأهله وأحبائه وأصدقائه، ومردُّ ذلك هو أن فرحا يمسّ ويغمر الروح، لا يمكن أن يتأتى إلّا بصحبة الأحبة والأصدقاء. فالوحدة والانعزال في المناسبات الاجتماعية العامة، مدعاة إلى الألم والحزن. وأكثر ما تتجلى مناسبات الأعياد في الكويت، بمظهر الزيارات العائلية من جهة، وزيارة الدواوين من جهة ثانية، وفي كلا الحالتين يكون البشر عنواناً لذلك اللقاء.

إن عيداً يأتي كل عام، ليثير تساؤلاً عن فرح أناس أبعد، أناس تجمعنا بهم العقيدة من جهة، ويجمعنا بهم الجوار الجغرافي الأقرب والأبعد، وأخيراً تجمعنا بهم حياة إنسانية واحدة، لا تفرق بين إنسان وآخر، على هذه الأرض الصغيرة.

مناسبة عيد تمرّ بنا، لهي أدعى إلى النظر في أنفسنا وما يحيط بنا من خيرٍ يكون مدعاةً إلى التفاؤل والرضا والفرح. وهي مناسبة إنسانية تستحق منا النظر إلى الآخر، الأقرب والأبعد، وكيف لنا أن نسعد به، وأن نرسم لحظة فرح تمرّ بعالمه. ففرح على فرح كفيل بخلق حالة فرح إنسانية مختلفة المذاق.

ليت العيد يمس قلوبنا بالرضا والاطمئنان، وليته يعيد بعث فرحٍ بكرٍ طالما اشتقنا إليه، وليته أخيراً يحركنا لرسم ابتسامة دائمة على وجوهنا، نقابل بها أنفسنا لحظة ننظر إلى المرآة كل صباح، ونقابل بها الآخر، وتكون مثار تفاؤل وأمل.

كل لحظة تستحق أن تُعاش بشيء من فرح وتفاؤل وابتسام، وكل ساعة وكل يوم وكل عيد. فمأزق الحياة الوجودي أن لحظتها لا تتكرر، وأن على الإنسان أن يجتاز اختبار اللحظة الحياتية بنجاح، وإلّا فإنها ستفوته ولن تعود إليه أبداً.

العيد مناسبة فرح، والفرح ممارسة، وأي ممارسة إنما تتخلق بالمران، وتذبل بالهجران.