تأتي أخبار اكتشاف طرود مشبوهة في مطارات دبي ولندن لتثبت أن تنظيم القاعدة» الذي يعد أقوى وأنشط تنظيم مسلح في العالم بدأ يستيقظ من قيلولته الطويلة نسبياً, المسألة ليست مزحة... فـ»القاعدة» لا تملك وقتاً للمزاح وكذلك أجهزة مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا والإمارات واليمن, والخبر لم يأت مبتوراً دون مبتدأ, فقد سبق هذا الخبر ظهور زعيم تنظيم «القاعدة»، أسامه بن لادن، في خطاب موجه إلى الفرنسيين يطالبهم فيه بسحب قواتهم من أفغانستان: «إذا كنتم قد تعسفتم في منع الحرائر من لبس الحجاب ألا ترون من حقنا أن نخرج رجالكم الغزاة بضرب الرقاب؟!».
حاولوا أن تعيدوا تركيب مقطع الفيديو, المسألة لا تحتاج خبيراً في المونتاج, في اللقطة الأولى يظهر فجأة السيد الكبير والملهم الأول للإرهابيين بعد غياب طويل, أنه الرجل الذي يمكن أن يتعرف عليه جميع سكان الأرض، ولكن أحداً منهم لن يستطيع تحديد المكان الذي يوجد فيه، يظهر في لحظة غير متوقعة في رسالة تثبت لأعدائه قبل أنصاره أنه حي يرزق، وأنه مازال قادراً على توجيه كل الخلايا النائمة والمستيقظة, يبدو مرتاحاً جداً وهو يهدد ويتوعد دولة عظمى مثل فرنسا!وفي اللقطة الثانية تعلن فرنسا أنها تأخذ تهديدات أسامة بن لادن على محمل، ولكنها ترفض أن يملي عليها الآخرون سياستها!وفي اللقطة الثالثة يظهر الرئيس الأميركي معلناً اكتشاف الطرود المشبوهة اعتماداً على معلومات قدمتها أجهزة مكافحة الإرهاب السعودية ومحذراً في الوقت نفسه من تنامي خطر «القاعدة»، خصوصا في اليمن!ألا يعد مجموع اللقطات الثلاث دليلاً كافياً على أن «القاعدة» نزلت إلى الميدان من جديد بكامل عتادها؟!ولكي نفهم العمق الحقيقي لهذه اللقطات الثلاث علينا أن نتأمل المشهد الدولي خلال العامين الماضيين, فقد استطاع تنظيم «القاعدة» إعادة تنظيم صفوفه بعد الضربات الساحقة التي تعرض لها في أماكن متفرقة من العالم, ونجح في توفير ملاذات جيدة لخلاياه المبعثرة في خمس دول على الأقل هي أفغانستان وباكستان واليمن والعراق والصومال مع وجود بعض الجيوب الصغيرة في إفريقيا, لقد أصبح هذا التنظيم قريباً- إلى حد ما- من المرحلة التي كان عليها قبل أحداث سبتمبر 2001 حين كان ينشئ معسكرات التدريب ويجند العناصر الانتحارية جهاراً نهاراً.وخلال العامين الماضيين أيضاً واصل التنظيم دون يأس محاولاته الدؤوبة لفك الحصار الأمني الخانق الذي فرضته الأجهزة الأمنية العالمية على اتصالاته وتحركات عناصره, وهو اليوم برغم المطاردة الإلكترونية المستمرة والمراقبة المكثفة لاتصالات عناصره مازال قادراً على إيجاد حلول مبتكرة للتواصل السري بين خلاياه النائمة والمستيقظة، كما أنه استعاد قدرته على التواصل العلني مع خصومه من خلال الرسائل المرئية أو المسموعة التي تظهر بين حين وآخر, بل إن هذا التنظيم كاد ينفذ عملية مؤثرة في قلب الولايات المتحدة دونما حاجة إلى إرسال أي عنصر إلى هناك حيث اختار البريد السريع كوسيلة سهلة لتنفيذ عمليته المدمرة وكأنه يهزأ بخصومه! حيث يمكن تخيل ابن لادن وهو يقول للظواهري ضاحكاً: «ما أمتع أن يحمل أعداؤك المتفجرات بدلاً عنك»... فيقول الآخر: «نعم... إنهم لا يحتاجون إلى تأشيرة من السفارة الأميركية»!وخلال العامين الماضيين تراجعت قيم التسامح وأخذت الأفكار المتعصبة حيزاً غير مسبوق في أنحاء العالم المختلفة, وهذا هو أفضل مناخ يمكن أن يوجد فيه تنظيم «القاعدة», كما أن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغياب الحريات في العالم الإسلامي لاتزال تشكل الرافد الأهم الذي يمد تنظيم «القاعدة» بالشباب الذين لم يجدوا طريقاً للسعادة في الدنيا فاتجهوا يبحثون عنها في الآخرة!باختصار «القاعدة» على الأبواب... والمعركة العالمية توشك أن تبدأ من جديد, وستطول نيرانها الجميع، ولن يكون ثمة مقاعد للمتفرجين... وكالعادة ستكون هذه المعركة العبثية هدية السماء لإسرائيل وإيران!* كاتب سعودي
مقالات
القاعدة تتثاءب... ولكنها لا تنام!
31-10-2010