يقول أحد كبار المسؤولين الباكستانيين، مسلّطاً الضوء على حالة الشلل المنتشرة في الحكومة الفدرالية في إسلام أباد: "نحن لا نعيش حتى من يوم إلى يوم، إنما من نشرة (إخبارية كل ساعة) إلى أخرى". فإدارة الرئيس آصف زرداري، التي تعاني بعض أعتى المشاكل التي تواجهها أي حكومة أخرى، تتآكلها المؤامرات وقلة الكفاءة. في المقابل، يراقب المانحون الأجانب بحذر؛ والجيش الباكستاني بامتعاض؛ و"طالبان"، في باكستان وأفغانستان معاً، بلا شك بسعادة.

Ad

تواجه باكستان مشكلتين جسيمتين: كيفية إعادة إعمار معظم أجزاء البلاد بعد الفيضانات التي اجتاحت هذا الصيف 100 ألف كيلومتر مربع وأصابت 20 مليون شخص؛ وكيفية التعامل مع تهديد حركة "طالبان" الباكستانية. في وجه كل ذلك، تحتاج الحكومة إلى كل أنواع المساعدة التي تستطيع الحصول عليها، لكنها عازمة على ما يبدو على التشاجر مع مجموعة تلو الأخرى.

تدهورت العلاقات مع الولايات المتحدة منذ أغلقت باكستان المعبر الجبلي الرئيس إلى أفغانستان في طورخام، رداً على مقتل جنديين باكستانيين من القوات شبه العسكرية بعد اختراق مروحيات أميركية الحدود. حتى أن وزير الداخلية تساءل جهراً عما إذا كانت الولايات المتحدة حليفاً أم عدواً؟

فضلاً عن ذلك، الجيش الباكستاني غير راض البتة عن أداء الحكومة، لاسيما على الصعيد الاقتصادي. على حد قول مطلعين، أعطت القوات المسلحة الحكومة قائمة بأقل المسؤولين نفعاً وأكثرهم اختلاساً، طالبةً إقالتهم، ويُقال إن الإدارة الأميركية تؤيد هذا المطلب، لكن زرداري ممانع لأنه لا يريد أن يظهر أمام الآخرين بأنه يخضع للضغوط. لذلك يعارض طرد بعض أكثر الضباط الذين يثق بهم، بالرغم من أنه قد يُضطر إلى ذلك. في المقابل، يبدو أكثر انشغالاً بخوض معاركه القانونية الخاصة، إذ يُتوقّع في الأسبوع المقبل أن تستأنف المحاكم جلسة استماع بشأن عفو قانوني أبطل تهماً قديمة بالابتزاز وُجّهت ضده وضد مسؤولين آخرين.

من جهتهم، يعرب المانحون الدوليون عن استيائهم إزاء عجز الحكومة عن طرح أي نوع من خطط إعادة الإعمار بعد الفيضان. يُذكَر أنهم تبرعوا حتى الساعة بـ640 مليون دولار أميركي تلبيةً لمناشدة من الأمم المتحدة، فضلاً عن 866 مليون دولار خارج إطار تلك المنظمة. جميع هذه الأموال مخصصة للإغاثة الطارئة و"التعافي المبكر"، لكن لا توجد خطة أو أموال لإعادة البناء على المدى الطويل. كذلك لم تقتنص الحكومة الفرصة للمضي قدماً بالإصلاحات الاقتصادية التي هي أحوج ما تكون البلاد إليها، كما اتضح من الفيضانات، فقد فشلت حتى الساعة مثلاً في تطبيق أي إجراءات من شأنها زيادة العائدات الضريبية لرفع مستويات التحصيل الضريبي المنخفضة (تشكل الضرائب 9% فقط من الناتج المحلي الإجمالي)، بالرغم من قولها إنها تعتزم فرض ضريبة على المبيعات.

في المقابل، أمل مؤيدو زرداري أن يغتنم فرصة وقوع كارثة الفيضانات لتحسين الحكومة. لكنه يؤثر المواجهة، معتقداً على ما يبدو أنه سيستفيد سواءً ظل في منصبه أو أُطيح به، بما أنه في الحالة الأخيرة سينال الثناء كشهيد سياسي ويحسن فرص حزب الشعب الباكستاني الذي يرأسه في الانتخابات المقبلة. يعقب مشاهد حسين، أمين عام أحد الأحزاب المعارضة: "بدأ النقاب يتكشف شيئاً فشيئاً عن نظام الحكم هذا. لم تستطع الحكومة أن تكون على قدر الحدث، والفيضانات غيرت قواعد اللعبة".  

حتماً ليست جميع المشاكل من صنع الحكومة. بعد سنوات من الصراع بين القضاء وحزب زرداري، تبدو المحاكم عازمة على عزل الرئيس، لذا تتحدث أحزاب المعارضة عن ضم الصفوف للتصويت بحجب الثقة في الإدارة، الذي يفتقر إلى أغلبية من الأصوات في البرلمان. في المقابل، لم تكن جهود الإغاثة الدولية كافية لمساعدة ضحايا الفيضانات، إذ تضاعف مجموعة كبيرة من الوكالات التابعة للأمم المتحدة والحكومات الغربية والمنظمات غير الحكومية الجهود وتهدر حصصاً كبيرة من أموال المساعدات على نفقات إدارية.

بغض النظر عمّن هو المذنب، بنتيجة الأمر، كان على الكثير من ضحايا الفيضانات دعم أنفسهم بأنفسهم، مناضلين من أجل إعادة بناء منازلهم أو مزارعهم المدمرة بالموارد الشحيحة التي يستطيعون جمعها. توزع الحكومة حالياً 230 دولاراً لكل أسرة، لكن ذلك غير كاف البتة. فمزارعو القمح الذين أُبيدت محاصيلهم بحاجة إلى البذور والسماد اليوم إن لم تُدمّر محاصيلهم في العام المقبل أيضاً.  

أما ردود الحكومة الفدرالية وحكومات الأقاليم معاً فتميزت بالضعف، لأن الواحدة لا تثق بأن الأخرى ستستخدم التبرعات بشكل نزيه أو تنفذ المشاريع بفعالية. ففي إقليم بنجاب، الأكثر اكتظاظاً بالسكان والأكثر ثراءً، جمعت الحكومة نحو 12 مليون دولار كمساعدات للإغاثة من الفيضان، وقد وزعت دولارين فقط على كل متضرر. وبدافع اليأس، حاولت حكومة الإقليم تلك، التي تديرها الرابطة الإسلامية الباكستانية بزعامة نواز شريف، أبرز زعماء المعارضة، الاستعانة بموردين من الخارج في جهودها لإعادة الإعمار ككل.

لذلك واعترافاً منه بغياب الثقة في جميع مستويات الحكومة، طلب شريف، الذي  يتولى شقيقه رئاسة الوزراء في بنجاب، من القطاع الخاص تولي أعمال إعادة الإعمار، وحض الشركات والجمعيات الخيرية على تأهيل القرى المتضررة وتعهد مشاريع مثل إعادة بناء المنازل والمدارس. أما الحكومة فلن تقدم سوى النصح. أُعد مخطط أولي يتضمن نحو 200 قرية. يظهر هذا المخطط أن الحكومة في بنجاب على الأقل تفكر بطريقة إبداعية، لكن بالنظر إلى تضرر 500 ألف منزل ونحو 6900 كم مربع من الأراضي الزراعية في بنجاب وحدها، يصعب تخيل كيف يمكن لمهمة بهذا النطاق أن تُعهَد إلى موردين من الخارج، وثمة شك بأن القطاع الخاص يرغب في تعهد هذه المشاريع.   

شدد زرداري الأسبوع الماضي على أن "انتصار" مقاربته التصالحية إزاء السياسة تمثلت في أن "أحداً لا يريد تصرّفاً غير ديمقراطي" اليوم. لا شك أنه من الصعب رؤية الجيش الباكستاني يتدخل، ولو حتى لتشكيل حكومة مدنية جديدة من التكنوقراطيين، نظرية مفضلة لدى إسلام أباد. لكن بتعبير آخر وعلى الأرجح أدق لفهم تعليق الرئيس، فقد أحدث هذا الأخير فوضى عارمة في إدارته البلاد إلى درجة ألا أحد ولا حتى القوات المسلحة ترغب في تولي السيطرة فيها، باستثناء حركة "طالبان" الباكستانية طبعاً.