تطرح حادثة اختراق أحد «الهاكرز» المغاربة لموقع الديوان الأميري على الإنترنت احتجاجاً على ما جاء في أحد المسلسلات الكرتونية الكويتية أخيراً، الكثير من التساؤلات المرَّة الحارقة، وستتضاعف هذه التساؤلات عند قراءة ما جاء في الرسالة التي وضعها «الهاكر» على الصفحة الأولى من الموقع المخترق.

Ad

أول ما يخطر على البال هو تساؤل مستحق عن ركاكة أنظمة الأمن والحماية لهذا الموقع الحيوي البالغ الأهمية، والتي لبالغ هشاشتها أن تم تجاوزها بهذه الطريقة المخزية. وكذلك حول أن اختراق هذا الموقع، وهو ما هو بقيمته وحيويته، سيدل، بداهة، على أن عشرات المواقع الرسمية الأخرى، ومنها ما يتضمن الكثير من المعلومات الحساسة، لهي عرضة للاختراق والعبث كذلك!

ومع هذا، فلا تزال مؤسساتنا الرسمية تتعامل مع الإنترنت بذات الطريقة الرخوة البائسة، وكأنه «لعب أطفال» لا أكثر؟ ولا أدري متى سيحين الوقت لإنشاء هيئة مركزية على مستوى عالٍ من الجودة، أسوة بالدول التي تحترم نفسها، لوضع معايير صارمة لكيفية تعاطي الجهات الرسمية مع هذه التقنيات، بدلاً من تركها لاجتهادات كل جهة على حدة؟!

لكن بعيداً عن هذا، فالأمر الجدير بالنظر حقاً، هو السؤال بلماذا أوقعنا أنفسنا أصلاً في هذا الموقف الشائن في حق شعب عربي أخ وصديق؟!

من يقرأ الرسالة التي وضعها ذلك «الهاكر» كتعبير عن احتجاجه، سيدرك كيف صار العرب ينظرون إلينا ككويتيين اليوم. فنحن «مجرد دولة مساحتها عشرين (كيلومترا) صارت مستباحة للأميركان، ومجرد شعب بكروش ضخمة لا نقدر على الحركة»، على حد تعبير ذلك الهاكر.

بالطبع، نستطيع أن نسري عن أنفسنا فنقول إن هذا الرأي لا قيمة له، وانه صادر من شخص نكرة، ولكن الأذكياء العقلاء يدركون أن هذا غير صحيح، وأن الأمر أوسع من ذلك كثيراً، وأننا ككويتيين قد خسرنا أغلب، إن لم يكن كل، صورتنا البهية في نظر العرب خلال العشرين عاماً الماضية التي أعقبت تحرير الكويت. فصورة تلك البلاد صاحبة الأيادي البيضاء على كل العالم، والمطبوعات الثقافية الرصينة، والمشاركات الفنية الراقية، وغيرها مما كان يستحق أن يفتخر به، استحالت إلى صورة لبلد ذي شعب متعجرف، منكفئ على ذاته لا تهمه إلا مصلحته وقضاياه الداخلية، تعج مسرحياته ومسلسلاته وقنواته الفضائية ومطبوعاته بالمواد التي تستهزئ بالشعوب الأخرى.

وبالرغم من كل محاولات إخراجنا من هذا الطوق المؤلم المحكم، على يد بعض الجهات الخيرية والتطوعية التي استمرت بنثر الخير هنا وهناك، فقد رسخت هذه الصورة في نظر الآخرين، ولطالما سمعناه حتى من كثير من الأصدقاء المثقفين العرب الذين يتباسطون معنا في الحديث.

يا سادتي، إن المسألة ليست حول ما إذا كانت قد خالفت تلك القناة التي بثت هذا المسلسل الكرتوني القانون أم لا؟ وإن كان أسيء فهمها أم لا؟ وهل عادت فاعتذرت أم لم تعتذر؟ فهذا كله على هامش الفكرة.

فالإعلاميون المخضرمون يدركون جيداً أن بإمكانك أن تجرح وتهين وتسخر من أي طرف كان، دون حتى الحاجة إلى تجاوز الخط القانوني الموضوع، بل وحتى دون الاقتراب منه، وهذا ما دأبت هذه القناة، هي ومثيلاتها، على ممارسته منذ سنوات، على سبيل المثال. وهذا المسلسل الكرتوني بالذات، لطالما سخر وجرح وأهان الكثيرين في الداخل والخارج، في وتيرة متصاعدة من البذاءة، ومسيرة مستمرة من الانحطاط، حتى وقع أخيراً في هذا المأزق المخزي.

المشكلة الحقيقية هي أن ثقافتنا المجتمعية قد تلوثت، حتى صارت الإهانة والتجريح والسخرية من الآخرين، شيئاً عادياً في نواظرنا، والدليل على ذلك أن هذا البرنامج، وكل ما يسير على نهجه من منتجات إعلامية، أضحى اليوم يلاقي رواجاً جماهيرياً محلياً عجيباً، وكل ذلك بزعم حرية التعبير!

نعم، سنستطيع الخروج من هذا المأزق المخجل اليوم، سيستطيع دبلوماسيونا أن يلملموا الأوراق ويستروا العورة رسمياً، ولكن الجرح الشعبي الذي حصل بيننا وبين الشعب المغربي اليوم، وكثير من الشعوب العربية الأخرى طوال سنوات، لن يمكن مداواته بهذه الطريقة.

لا أخفيكم بأني سعيد بما حصل، بل وكم تمنيت لو أنه يتطور إلى أكثر من ذلك قليلاً، أعني على صعيد العلاقات مع المغرب، لا من باب الكره لأحد، لا والله، وإنما لأجل أن نستشعر سخونة الجرح، فندرك عمقه... علّنا نتوقف عن هذا الانحدار في حق الآخرين، وقبل ذلك في حق أنفسنا!