فشل لأميركا وسياستها!
لو أن الولايات المتحدة تحرص على الحلفاء لكان عليها أن تقرع أجراس الإنذار لهؤلاء في الشرق الأوسط مبكراً كي يعيدوا النظر في أوضاعهم وكي يصححوا مسيرتهم قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، ويصبح «الكي»، الذي هو آخر العلاج، الأسلوب الوحيد للتعاطي مع أخطاء بقيت تتراكم على مدى عشرات الأعوام فتولدت كل هذه الأحقاد التي أخطر ما فيها أن علاجها بالجراحة الفوضوية قد يؤدي إلى بديل استبدادي سيكون حتماً أكثر سوءاً من سلفه.جاء في الحديث النبوي الشريف: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره»، وهذا لم يفعله الأميركيون مع حلفائهم في هذه المنطقة، لأنهم لا يعرفون هذا الحديث الشريف، ولأن تحالفاتهم موسمية وعلاقاتهم لا تعرف لا الصداقات ولا التحالفات الراسخة.
عندما شعر الأميركيون أن شاه إيران السابق الذي كان أهم حليف لهم في الشرق الأوسط بعد إسرائيل بدأ يضعف ويتراجع أمام مستجدات الصراع في المنطقة بادروا إلى التخلي عنه وتركوه يواجه مصيره المحتوم وحده، بل إنهم كانوا يراهنون على الاستفادة من الثورة الخمينية حتى عندما كانت لا تزال في مرحلة شغب الشوارع، لغزو الاتحاد السوفياتي من الداخل والتأثير على الجمهوريات الإسلامية، التي كان من المتوقع أن تتأثر بهذه الثورة، وقد تأثرت فعلاً بهذه الثورة فكانت معاول إضافية في هدم الإمبراطورية الشيوعية التي كان مؤسسوها يراهنون على أنها ستكون خيار البشرية حتى نهاية التاريخ.حتى عندما توجه الشاه السابق، الذي كانت المخابرات الأميركية قد أعادته إلى الحكم بعد إطاحة النظام الليبرالي الذي أقامه مصدق في بدايات خمسينيات القرن الماضي، وكان تأميم النفط أول إنجازاته التي لم تدُم، إلى الولايات المتحدة طالباً المأوى والاستشفاء بعد أن أُغلِقت كل أبواب الدنيا في وجهه فإن حلفاءه الذين كان يشكل لهم الخندق المتقدم في مواجهة الاتحاد السوفياتي وحركات التحرر في المنطقة نسوا كل خدماته لبلدهم وللتحالف الغربي كله وطردوه شر طردة، فوجد نفسه مشرداً في هذا العالم الواسع إلى أن جاءت مبادرة السادات لاستقباله وإعطائه قبراً يأويه، كما كان الملك فاروق قد استقبل والده رضا شاه وأعطاه قبراً يأويه.وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأميركيين لا أصدقاء لهم، فمصالحهم فوق كل اعتبار، والقيم التي ينادون بها ما تلبث أن تتلاشى بمجرد شعورهم بأن الصديق الذي أعطاهم كل ما يريدونه قد بدأ يغرق في أخطائه المتراكمة. وهذا هو الذي حصل مع زين العابدين بن علي، وهو الذي يحصل مع الرئيس حسني مبارك، وذلك مع أن المفترض ألا يبقى هؤلاء صامتين إلى أن يغرق الحليف والصديق في أخطائه، وهذا يعد فشلاً للولايات المتحدة التي تسعى إلى الاحتفاظ بمكانة القطب الأوحد في العالم، والتي كان عليها أن تبادر إلى قرع أجراس الإنذار قبل أن تصل الأمور إلى: «فالج لا تعالج» كما يقال في هذا الشرق المعذب!