خاضت الداعية الإسلامية والمستشارة الشرعية والقانونية للأحوال الشخصية الدكتورة ملكة يوسف زرار معارك فكرية وقضائية دفاعاً عن المرأة وحقوقها، وهي ترى أن المرأة العربية مهانة لعدم تطبيق الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية لها حتى في مذاهب الفقه الإسلامي.

Ad

حول مواقفها الدفاعية عن حقوق المرأة كان الحوار التالي.

كيف تنظرين إلى وضع المرأة في الإسلام؟

كفل الإسلام للمرأة حماية شرعية وقانونية لن تجدها في القوانين والمواثيق الدولية الحضارية التي تمنّ عليها بمزيد من حقوق لم تصل إطلاقاً إلى جزء ضئيل من حقوق حفظها وأقرها لها الإسلام.

إذاً الإسلام كرّم المرأة.

كرّمها تكريماً عظيماً في المجالات كافة. يكفي أن نعلم أن أول نقض لاتفاقية دولية جاء بشأن المرأة، وهو اللجوء السياسي للمرأة دون الرجل، تصريحاً لا تلميحاً في سورة «الممتحنة»، ذلك نقضاً لاتفاقية صلح الحديبية بشأن الصحابية أم كلثوم بنت عقبة التي هربت من أهلها وذويها من أثرياء الكفار في مكة ولجأت إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم). نصّت اتفاقية الحديبية على أن من أتى محمداً يتولى تسليمه إلى أهله، وقد نُقضت هذه الاتفاقية بنص شرعي صحيح يتلى إلى يوم القيامة.

هل ثمة مشكلة في إقرار هذه الحقوق؟

لا، لكن المشكلة في الأميّة التامة للمرأة سواء في الدول العربية أو الدول الإسلامية بشأن هذه الحقوق. الإنسان عدو ما يجهل، لذا أوجدنا جمعيات تعنى بشؤون المرأة، إلا أنني أتحداها في أن تكون وصلت أو بلغت ما بيَّن الإسلام للمرأة من حماية وحقوق، والتي تفوق كثيراً ما امتن به الله سبحانه وتعالى على الرجل، بل سخّر الله تعالى الرجل لمنفعة المرأة ومكاسبها ولم يسخّر المرأة لخدمة الرجل.

كيف كان وضع المرأة في الشرائع الدينية الأخرى؟

في الشرائع السماوية كافة كرّم الله المرأة، لكنها توجت في الإسلام لأنه خصصها بأحكام شرعية وقانونية وقضائية شرعية دولية لا يجوز انتهاكها بأي حال. حتى عندما ترتكب المرأة خطأ لا يجوز أن يعايرها الناس بخطيئتها وإن كانت زانية، فإن أطلق أحد عليها هذا اللفظ يُقام عليه حدّ التعزير.

إذاً الحماية الشرعية، كما تراها في اللعان، كفت المرأة شر ما يسمى بقانون الإثبات بالتعذيب، المعروف بقانون الماء المرّ والثابت في العهد القديم ولم ينسخه العهد الجديد، وفيه إذا شعر الرجل بغيرة ناحية المرأة أو في سلوكها يصطحبها إلى الكاهن ليطعمها أو يسقيها الماء المرّ، فإذا كانت مخطئة ستنحلّ أواصرها ويتساقط لحمها وتنتهك حرماتها. بينما في الإسلام عوملت المرأة بخلاف ذلك تماماً وشرع اللعان في الإسلام هو ستر للمرأة كي لا تنتهك حرماتها.

هل خدمت القوانين التي شرّعت المرأة وقضيتها واحترمت عقلها وخصوصيتها ورسالتها الأساسية كأم وزوجة؟

ثمة قوانين ظاهرها حلو وباطنها مرّ، فإذا نظرنا مثلاً إلى قانون الخلع نلاحظ أنه انتهكت فيه حقوق المرأة لأن الله سبحانه وتعالى حمى الأخيرة بهذا القانون وبغيره من قوانين تفتدي به نفسها، إضافة إلى أنها في عدة الوفاة يحرم عليها الخروج لغير ضرورة، وهي، بالنسبة إلى القوانين، لا تعتدّ إطلاقاً بعدة المرأة أربعة أشهر وعشرة أيام، كذلك إذا مرضت يخصم منها وما إلى ذلك وتُجبر على ارتكاب تصرفات تقلل من شأنها.

كيف يحدث ذلك؟

تجبر القوانين الوضعية المرأة على الزنى، لأن المطلّقة، إذا تزوجت، تسقط حضانتها بمجرد الزواج، هذه الطريقة تدفعها إلى أن تقيم علاقة محرّمة ولا تتزوج زواجاً شرعياً.

ماذا عن الميراث، هل أنصف الإسلام المرأة فيه؟

بالطبع، أثبت الله سبحانه وتعالى للمرأة حقها في الميراث شأنها شأن الرجل ما عدا نسبة من الأنصبة، ذلك إكراماً لها لأن الرجل في الأصل مكلّف برعاية المرأة والإنفاق عليها، مهما كانت ثرية، أما اليوم فهي تنفق عليه وهو يسلبها ميراثها.

هل يحدث ذلك في الدول العربية جميعها؟

نعم. تُظلم المرأة في الدول العربية من دون استثناء في مسألة الميراث.

ألا يفترض أن يكون التشريع من الدين؟

بلى، لكن التشريع الإسلامي غير مفعّل والقيمون عليه لا يتحدون القوانين فحسب، إنما إرادة الله أيضاً. فقد فرض الله سبحانه وتعالى للمرأة حقها في الميراث وفي حالات معينة يكون ميراثها أكبر من الرجل.

كيف ذلك؟

الأم ترث أكثر من الأب إذا مات ابنها. تقرّ الشريعة أنه إذا مات شخص من دون أولاد ترث أمه ثلثي ما ترك وللأب الباقي تعصيباً، فاختلف الصحابة وقالوا: «لا يمكن أن نجعل للمرأة أكثر من الرجل». إذاً الخلاف موجود منذ الصحابة. أيّد كثر ما نقول وعارض آخرون، فما بالك بالآراء الفقهية التي فيها إجحاف بحقوق المرأة، ولا بد من تمحيص الكتب الفقهية كي لا تؤخذ علينا!

مثل ماذا؟

عقد الزواج يسمى في الدول العربية عقد تمليك وفيه ملك الزوج أو الملكة بمعنى أن الرجل يملك بضعها بالمهر وجسدها بالنفقة. من قال هذا الهراء؟ يسمى عقد الزواج بأنه متعة أي عقد استمتاع ببضع المرأة وجسدها.

أليس ذلك صحيحاً؟

لا، فهي تملك الاستمتاع بالرجل كما يملك الاستمتاع بها. الرجل ملزم تجاه المرأة بمجموعة من الأحكام الشرعية فيما هي غير ملزمة إلا بطاعة الله فيه، مع ذلك تجد من يتصدى لهذا الأمر ويقول إن على المرأة أن تنفق على الرجل مقابل التفرغ الناقص له، كأن المرأة وجدت لتخدم الرجل وهذا أمر لم يُشرّعه الله سبحانه وتعالى.

يدلّ كلامك على أن ثمة عداء ضد المرأة؟

يتحدى كثر أحكام الله ويضربون بأحكام رسوله (صلى الله عليه وسلم) عرض الحائط، كذلك يأخذون الأحكام اليهودية ويطبقونها على القانون ويدّعون أنها وفقاً للآراء الفقهية أو الاجتهادية، فيخلطون بين آراء الفقهاء وهي ليست سوى آراء اجتهادية قد يخطئ فيها صاحبها أو يصيب، بالتالي نحن أمام حرب ضروس ليست ضد الإسلام فحسب إنما ضد المسلمين الذين انتهكوا أحكام الإسلام.

أظنك تتحاملين على الفقهاء؟

مطلقاً وأضرب لك مثلاً. إذا قال الإمام أبو حنيفة رأياً وعارض فيه قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) انتهكت سنة الرسول واتُبع رأي أبو حنيفة، ففي مسألة زواج، لا يجوز للمرأة الزواج شرعاً إلا بولي وشاهدي عدل وإعلان، لكن الإمام أبو حنيفة رأى أن الثيب تنكح نفسها من دون إذن وليها. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ نكحت من دون إذن وليها فهي عاهر»، ومع ذلك وافق فقهاء كثر في مصر خصوصاً آراء الإمام أبو حنيفة وكأنها شرع مُنزل وضربوا بقول رسول الله عرض الحائط.

إذاً ما هي رسالة المرأة؟

تبدأ بما أهلها الله له. المرأة هي التي تعد القادة والرؤساء والملوك والزعماء، بالتالي لو لم تكن المرأة لما وُجد ملك صالح. أنظر حولك، قلما تجد حاكماً عادلاً، لأن المرأة فشلت إلى حدّ كبير وضاعت في حروب ومعارك جانبية لتنتصر على الرجل في ميادين استمرأ انتصارها وتركها تلهث وراء انتصار ضائع وهو يعتبر إذلالاً للمرأة، كالنفقة فهي التي تعول العائلة وما إلى ذلك، تركها الرجل تلعب هذه اللعبة السخيفة التي فقدت فيها مكانتها وأصبحت كائناً وصنفاً آخر لا هي رجل ولا هي امرأة.

أليست المرأة هي التي تسعى إلى ذلك؟

الفكر الذي شيّع أن الإسلام ظلم المرأة هو منحدر، لأن ما أسقط المرأة في العصور الماضية هي النظرة الدونية لها، إذ كانت تباع وتشترى وكان للزوج الحق في قتل زوجته إذا اعتقد أنها خائنة وذلك بإلقائها من فوق جبل شاهق أو بيعها أسيرة إذا شك في سلوكها. جاء الإسلام بعد ذلك ليطوي هذه الصفحة.

ما رأيك بقضايا الطاعة؟

لا يوجد ما يسمى دعوى الطاعة للمرأة إطلاقاً، إنما ثمة تقويم لاعوجاج المرأة، عندما نقول تقويم اعوجاج المرأة نتناول ما يسمى «الضرب» وهو ما بينه الله سبحانه وتعالى، لا يجوز أن تخرج من قاعدة الوعظ والإرشاد إلى قاعدة الهجر ومن قاعدة الهجر إلى واقعة الضرب، وقد حذر منه الرسول (صلى الله عليه وسلم).

الضرب المباح هو الضرب الذي ذكره الله في القرآن الكريم لسيدنا أيوب حينما أقسم ليضربن زوجته مائة ضربة فقال تعالى: «فخذ بيدك ضغثا واضرب به ولا تحنث».

كيف تعامل الفقهاء مع قضية ضرب الزوجة للتأديب؟

للأسف ثمة آراء فقهية تفسّر الأمر بضرب المرأة بقسوة شديدة حيث تبيح للرجل أن يربط زوجته بحبل شديد ويلقيها في الشمس.. هل تتخيل هذا الكلام!

برأيكِ هل ثمة آراء فقهية نالت من حقوق المرأة؟

بالطبع، في المذهب الحنبلي مثلاً إذا كانت الفتاة في بيتها لا تأكل اللحم أي كانت من أسرة متوسطة أو فقيرة فلا يلزم زوجها بإطعامها اللحم وهذا هراء وافتراء على الله.

هل وضع المرأة في الغرب أفضل من وضعها في الدول العربية؟

كفل الغرب للمرأة قوانين تحميها ليس لأنها امرأة لكن لأنها إنسانة، كذلك امتهان حرمة المرأة في الدول العربية والإسلامية نسيج واحد من انتهاك حرمة الإنسان رجلاً كان أو امرأة.

يرى البعض أن الرجل أصبح الجناح الضعيف في هذا العصر أمام تعاظم مكانة المرأة وقوتها وسطوتها في المجتمع ما ردّك؟

الرجل والمرأة سواء في الذل والهوان نتيجة قوانين غير منضبطة هدفها الأول والأساسي إفساد الأسرة وليس إصلاحها. بالنسبة إلي قوامة الرجل ليس لها مقوماتها اليوم لأنها تعني ضرورة أن يكون له حق العمل حتى ينفق على نفسه وأسرته، فمن الذي يتوافر له العمل راهناً مع تفشي البطالة وندرة فرص العمل؟

يردد أعداء الإسلام أن المرأة في الإسلام وراء الرجل وفي درجة أدنى. ما رأيك؟

إطلاقاً، الرجال أشقاء للنساء والنساء أشقاء للرجال ولا فضل بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح، كلاهما يتساويان في الدور الإنساني، أما الوظائف فتختلف وفقاً للفاضل والمفضول في العمل أو رسالة من الرسائل.

ستظلّ المرأة تصنع الرجال في حين أن الرجل لا يصنع المرأة، فإذا وجدت مجتمعاً فاسداً عليك أن تبحث عن فساد المرأة، وإذا وجدت مجتمعاً صالحاً فستجد امرأة صالحة هي وراء صلاحه.

بعد خروج المرأة للعمل تغير شكل المجتمع والمنزل والأسرة هل تتفقين مع هذا الرأي؟

هذه آراء كاذبة واهية، منذ أن وجدت حواء على الأرض تعمل إلى جانب الرجل. في الإسلام كانت المرأة تحارب وتذود عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الجهاد، في غزوة بدر حينما تخلى الجميع من حوله وجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أم سليم تحوط خيمته، فقال: «ما هذا يا أم سليم»، أيضاً قالت أم ملحان: «هذا خنجر أبقر به بطن من يقترب منك». يكفي المرأة أن السيدة خديجة بنت خويلد هي التي دعمت رسالة سيد الرسل (صلى الله عليه وسلم) قبل أن يتأكد هو يقيناً أنه مرسل إليه وكانت تشد من أزره.

كيف تفسرين حديث مثل قوله (صلى الله عليه وسلم): «نظرت إلى أهل النار فوجدت أكثر أهلها من النساء.... «؟

صحيح، فقد صادف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) امرأة تطعم ولدها بعدما أعطتها السيدة عائشة ثمرة تمر فقسمتها بين بنتيها وحينما رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ذلك تبسم قائلاً: «لولا ما تفعلن لدخلت أكثركن الجنة»، لكن المرأة تفسد حالها بحالها، لا سيما عندما خرجت عن القواعد الشرعية وأصبحت تحارب نفسها بنفسها.

ما رأيك في الحديث الذي معناه: «لو كنت آمرا أحداً بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»؟

هذا حديث مردود، وقد ردّه علماء الحديث في شرح المهذب في الجزء 15 والإمام ابن حزم وغيره... لأنه يتعارض مع العقل وليس النقل فحسب.

هل أنت ضد تقدير الزوج وطاعة الزوجة له؟

هذا ليس تقديراً أو طاعة بل عبودية لا يفرضها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي رفض أن يقوم له الصحابة في المجلس قائلاً: «لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم لملوكها»، فكيف يأمر لأحد أن يسجد لغير الله حتى وإن كان مجازاً؟

ما رأيك بمقولة إن المرأة ناقصة العقل والدين؟

هذه مقولة صحيحة وحقيقية إذا فهمناها كما قالها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من دون افتراء وتفسير لأحكام التوراة وأحكام جوستنيان وغيره، فقد بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) التشريح البيولوجي للمرأة، كذلك ذهبت بنفسي إلى مستشفى قصر العيني في القاهرة ودخلت المشرحة ورأيت مدى الاختلاف البيولوجي بين رأس الرجل ورأس المرأة ودماغه ودماغها.

أما بالنسبة إلى نقصان الدين فيعني أن المرأة ينتابها ما لا ينتاب الرجل من نفاس وحيض وغير ذلك، في الدول الغربية، مثل فرنسا، تُمنح المرأة العاملة إجازة ثلاثة أيام شهرياً لأنها تواجه اضطرابات غير طبيعية لو تعرض لها الرجل لدخل مستشفى المجانين.

هل أنت مع تصدي المرأة للقضاء والإفتاء؟

كان في عهد الخلفاء الراشدين امرأة قاضية. أنا مع هذا الاتجاه، لكن وفق الضوابط الشرعية التي فرضها الله سبحانه وتعالى.

د.ملكة يوسف زرار في سطور

- ملكة يوسف محمد زرار، تعود جذورها إلى الجدّ أسعد بن زرار. ولدت في النوبة في أبو سمبل، محافظة أسوان، تنتمي أمها إلى عدي بن عمر بن الخطاب، وكلهم حاملون للقرآن.

- تخرجت في كلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1976.

- حازت دكتوراه في الشريعة الإسلامية ودكتوراه في القانون.

- عملت أستاذة للشريعة الإسلامية والفقه المقارن في الجامعات العربية وفي كلية الحقوق في جامعة القاهرة سابقاً.

- متخصصة في أحكام الأسرة في الإسلام والأحوال الشخصية للمسلمين وغير المسلمين.

- متفرغة راهناً للدفاع عن قضايا المرأة عبر مجال الدعوة الإسلامية.

- مستشارة شرعية وقانونية للأحوال الشخصية وعضو في منظمات وجمعيات حقوق الإنسان.

- صاحبة أول موسوعة في الزواج والعلاقة الزوجية في الإسلام والشرائع الأخرى المقارنة، صدرت في ثلاثة مجلدات عام 2000.