في مدينة أبوظبي حطَّ المفكر الدكتور أحمد البغدادي رحاله، فقد توقفت أمس الأول رحلة المعاناة مع المرض التي استمرت أشهراً عديدة، وتوقفت كذلك رحلة البحث العلمي، والكتابة الصحافية، والمناظرات الفكرية، التي كان الراحل أحد روّادها بامتياز.

Ad

الحديث عن المفكر الراحل يعني الحديث عن الفكر المختلف والطرح الجريء، فقد اشتهر البغدادي بمقاربة محاور فكرية «حساسة» تتعلق بالإسلام السياسي، وتطوير الفقه الإسلامي. أطروحاته العلمية تلامس موضوعات يخشى الفقهاء والكتاب المسلمون الخوض فيها، لأنها بكل بساطة تضع الفقيه في دائرة «الاتهام العقدي». تعرّض البغدادي للنقد والمحاكمة السياسية في الكويت، سُجن بسبب آرائه، وخرج بعفو أميري، وحوسب في البحرين، حين صرّح بأن الإسلام انتشر بحد السيف.

قد يختلف كثر مع البغدادي أو يتفقون، إلا أن الثابت حاجتنا إلى مفكرين وأكاديميين يحركون الراكد من المسائل العلمية، ويضعون كلاً أمام مسؤولياته، والشعوب الإسلامية على المحك. يخطئ من يعتقد أن البغدادي كان مجرّد كاتب يهاجم الإسلام. وتلك نظرة أراد تكريسها خصومه، ربما لصرف النظر عن القصور الشديد الذي تعانيه المجتمعات المسلمة في ميادين الاقتصاد، وحقوق الإنسان، والنماء الاجتماعي، والتطور السياسي، والديمقراطية الحقة، كلها أمور يناقشها البغدادي في طروحاته، ويعجز خصومه عن تقديم إجابات شافية لها.

لم يكن البغدادي دخيلاً على الفكر الإسلامي، فهو حاصل على شهادة الدكتوراه في مجال «فلسفة الفكر الإسلامي» من جامعة أدنبرة بالمملكة المتحدة. وله العديد من الأبحاث في هذا المجال، لذا فإن الجدال معه يعني جدالاً مع باحث مطلع على الفقه، والمذاهب الإسلامية، ومجمل آراء الفقهاء في ما يتعلق بالثابت والمتحول من الأحكام، وكذلك تعدد التفسير، وتأويل النص الواحد، من عدة زوايا. فهذه الثقافة الدينية التي كان يتمتع بها الراحل تجعل الجدال معه صعباً بالنسبة إلى خصومه العلميين. فيستسهلون رميه بحجارة صلبة جاهزة، من قبيل القول إنه يعادي الإسلام ونحوه.

على المستوى الإنساني يتمتّع البغدادي بتواضع جم، وأخلاق علمية عالية. يرصد بعين المراقب الخبير كل أحوال المجتمع، ويتفاعل مع طلبته، وقضايا الشباب في المجتمع، ما جعله قريباً من قلوب الجميع، فقد رعى أنشطة الطلبة بقسم العلوم السياسية حين كان أستاذاً في الجامعة. وكذلك ساند جماعة «تنوير» حين انطلقت أنشطتهم على يد مجموعة من الشباب الطموحين في الكويت، قدم تصوّراته، ولم يبخل بآرائه أو علمه.

يساهم البغدادي على الرغم من اعتلال صحته مؤخراً في كل المناشط ذات الطبيعة التنويرية التثقيفية، فنجده في طليعة الاعتصامات المنددة بالرقابة أو الحجر على الآراء، يقف إلى جانب إخوانه الكتاب حين يتعرضون للمصادرة أو المحاكمة، يكتب في الصحافة المحلية وبعض الصحف الخليجية، يرحب بالحوارات الصحافية ويطرح آراءه من دون تردد أو مواربة. هو خصم لدود للانغلاق بكل أشكاله، يدعو في محاضراته ومقالاته الصحافية إلى الاستفادة من أدوات الحداثة التي ينتجها الغرب بامتياز، ويرى أن أمة منغلقة لا يمكن أن تحقق نمواً أو حضارة إنسانية.

أهدى البغدادي إلى المكتبة العربية العديد من المؤلفات، من بينها:

• تجديد الفكر الديني، دعوة إلى استخدام العقل

• الدولة الإسلامية بين الواقع التاريخي والتنظير الفقهي

• الفكر الإسلامي والإعلان العالمي لحقوق الإسلام

• دراسات في فقه السياسة الشرعية

• أحاديث الدين والدنيا